للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضَيَّف جماعةً، وأجلسهم في منزله، وانصرف إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتأخر رجوعُهُ. فقالَ: أَعَشَّيتُموهم؟ قالوا: لا. فأقبل على ابنه عبد الرحمن، فقال: يا غُنثَرُ، فجدَّع وسبَّ (١). وفي هذا المعنى أخبارٌ كثيرةٌ، وآثارٌ واسعةٌ لا سبيلَ إلى استقصائِها.

وهذا النوعُ أقسامٌ: منه ما يقع مع أهل المعاصي، ويتضمَّنُ الذَّمَّ لهم، والدعاء عليهم. وهذا القسم لا يكون في هذا الجواب منه شيءٌ - إن شاء الله تعالى-، لأن هذا الجواب خطاب لأهل العلم والمراتب الشريفة.

ومنه ما يكونُ مع أهل العلم والفضل، ولكن على سبيلِ التأديبِ، مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذَر: " إنَّك امرؤٌ فيك جَاهِلِيةٌ " (٢). وقول عليٍّ -عليه السلام- لابنِ عباس: إنكَ امرؤٌ تائه (٣). فهذا أيضاً لا يكون -في هذا الجواب- منه شيءٌ؛ لأنَّ المُجيبَ أحقرُ مِنْ أن يؤدِّبَ مَنْ هو أجلُّ مِنهُ وأكبر، بل هو بأن يُؤدَّبَ أحقُّ وأجدرُ.

ومنه ما يكونُ على جهة التنبيه -لأهل الفضل والعلم- بقوارعِ الكلام


(١) رواه البخاري (٦٠٢) و (٣٥٨١) و (٦١٤٠) و (٦١٤١) ومسلم (٢٠٥٧) وأحمد ١/ ١٩٨. وقوله: يا غنثر، ضبطه النووي بغين معجمة مضمومة ثم نون ساكنة، ثم ثاء مثلثة مفتوحة ومضمومة: وهو الثقيل الوخم، وقيل: هو الجاهل، مأخوذ من الغثارة بفتح الغين المعجمة وهي الجهل والنون زائدة، وقوله: فجدَّع أي، دعا عليه بالجدع وهو قطع الأنف وغيره من الأعضاء.
(٢) تقدم تخريجه ص (٢٢٩ - ٢٣٠).
(٣) رواه النسائي ٦/ ١٢٥ - ١٢٦ من طريق عمرو بن علي، عن يحيى، عن عبيد الله بن عمر، قال، حدثني الزهري، عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي، عن أبيهما أن علياً بلغه أن رجلاً (هو ابن عباس) لا يرى بالمتعة بأساً، فقال: إنك تائه، إنه " نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر ". وهذا إسناد صحيح، والتائه: الحائر الذاهب عن الصراط المستقيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>