للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخامسها: أنه يلزَمُهم استحالة أن يكون الربُّ أعلم بالحكم، والمصالح، والمُرَجِّحات الخفية، وقد علم تفاضل علماء النظر في ذلك إلى شأوٍ بعيدٍ، فكيف بالملك الحميد المجيد؟! بل العالم يعلم اختلاف أحوال نفسه في ذلك، ومَنْ فوقه ومَنْ دونه.

وسادسها: أن قصة الخَضِرِ وموسى مانعةٌ ما (١) ذكروه منعاً قاطعاً، لأن موسى عليه السلام لم يعلم وجهاً مُحسناً لما فعله الخضِرُ لا جُملةً ولا تفصيلاً، ولذلك سماه أمراً نُكراً، وقد علم الله من وجوه الحكمة في ذلك ما لم يعلمه موسى عليه السلام، بل علم الخضر فيه (٢) ما لم يعلم موسى عليهما السلام، بل قال الخضر لموسى: ما علمي وعلمك وعلم الخلائق في علم الله إلاَّ كما أخذ هذا العصفور من هذا البحر (٣). بل قال الله تعالى: {فلا تَضْرِبُوا لله الأمثالَ إنَّ الله يعلمُ وأنتم لا تعلمون} [النحل: ٧٤] وهي من أنفع آية في هذا المعنى.

وسابعها: قصة الملائكة حيث قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة: ٣٠] فهذا قاطع بأنهم ما عرفوا وجه الحكمة في ذلك على التفصيل، بل ولا أعلمهم الله في جوابه عليهم بالكلية حيث قال: {إنِّي أعلمُ ما لا تعلمون} [البقرة: ٣٠].

فيا عجباً للمعتزلي كيف لم يقنع بما قنعتْ به الأنبياء والملائكة، ومن لم يقنع بما قنعوا كيف يقنع بكلام أئمة السنة، ويُنَاظِرُ مناظرة السلف الصالح، وهو جديرٌ بأن يلحق بالذين قالوا لجوارحهم يوم القيامة: {لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت: ٢١].

وثامنها: أنهم لم يجدوا وجهاً تفصيلياً (٤) صحيحاً مُرضياً في هذه المسألة كما مر بيانه.


(١) في (ش): مما.
(٢) ساقطة من (ش).
(٣) قصة الخضر مع موسى أخرجها بطولها البخاري (٤٧٢٥).
(٤) في (أ): تفصيلاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>