للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكيف يستكثرُ من لا أحد أحبُّ إليه المدح منه مما ظاهره الذم ويكون ما ذلك (١) ظاهره متلوّاً في الصلوات الخمس (٢) ومحافل الجماعات؟!

وقولهم: إن الداعي إلى ذلك ما زعموه من تعريض المكلفين إلى درك الثواب العظيم بالنظر في تأويله، مردودٌ بوجوهٍ:

أولها: ما تقدم من أن ذلك لو كان هو المقصود لكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وتابعوهم بإحسان هم السابقين إلى تأويله كما سبقوا إلى كل خير، وسكوتهم جميعاً عن (٣) التأويل في المُدَدِ (٤) الطويلة يقضي عادة باعتقاد الظواهر.

وثانيها: أن هذا الداعي الذي زعموه لا يصح تقريره فيما مورده إظهار المحامد، وبيان الممادح، لأنه يُغيِّر وجوه محاسنها، ويُكَدِّر ورود مشارعها، وإنما يكون مثل ذلك في موضع الابتلاء مثل: آيات الأوامر والتكاليف، كأمر بني إسرائيل بذبح بقرة حين سألوا (٥) عن تعيين قاتل صاحبهم، ونحو ذلك.

وثالثها: أنه لو كان المقصود ما ذكروه، لورد السمع بما ظهره القبح الضروري المجمع عليه من نسبة الظلم، والولد، والشريك وسائر النقائص في الظاهر، ولها معانٍ حسنة يُثاب أهل النظر بتأملها، فإنه يُمكن تكلف التجوز والعلائق المجازية في هذه الأشياء مثل ما تكلفوه في تلك كما زعم الزمخشري (٦) أن ظاهر قوله تعالى: {أمرنا مُترَفِيهَا فَفَسَقُوا فيها} [الإسراء: ١٦] الأمر بالفسق، وجَعَلَهُ من المجاز، وغَلِطَ في ذلك كما سيأتي.

فإن قيل: وجود المعارض يغني عن الخوض في التأويل، وهو موجود كما يأتي في شبه المعتزلة، فالجواب من وجهين:


(١) من قوله: " مما " إلى هنا ساقط من (أ).
(٢) ليست في (أ).
(٣) في الأصلين: من.
(٤) في (ش): المدة.
(٥) في (ش): سألوه.
(٦) ٢/ ٤٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>