أحدهما: أنه غير موجود كما يأتي في الجواب عن شبههم.
وثانيهما: أن وجوده لو سُلِّم، لا يغني عن الخوض في ذلك خاصة من عامتهم بل يزيد الدواعي قوةً إلى البحث، والخوض الكثير كما هو معلومٌ بالضرورة من عادات العقلاء، فعدم خوضهم في ذلك أدلُّ على عدم التعارض عندهم، وعند من بعدهم إلى أوان البدع، ولو سلَّم الجميع، فلا معارض بالضرورة في عموم قدرة الله وأنه على كل شيءٍ قدير. ومذهبُ المعتزلة يستلزم أن لذلك معارضاً ويقتضي أنه تعالى غير قادر على هداية العصاة تعالى عن ذلك، وسيأتي تقرير ذلك، ونقض شُبَهِهِم فيه.
فإن قيل: فهل القرآن كله محكمه ومتشابهه عندكم على ظاهره ما لم يُنقَل تأويله بنصٍّ صحيح أو إجماع.
قلنا: إن عنيتم بظاهره ما فَهِمَ السلف وأهل السنة من تنزيل ذلك على ما يقتضي المدح والثناء والكمال، وعلى قوله:{ليس كمثله شيءٌ}[الشورى: ١١] فهو كله على ظاهره إلاَّ ما خصَّه نصٌّ صحيحٌ أو إجماع.
وإن عنيتم بظاهره ما ظننتم من أن ظاهره قبيحٌ، وسبٌّ لله تعالى وكفر به، فليس على ظاهره، لكنا نمنع من كون ذلك ظاهره، وقد مر ذلك مُحقَّقاً في الصفات ولله الحمد.
فإن قيل: فما الفرق بين المحكم والمتشابه؟
قلنا: إن المحكم ما لا تأويل له محجوبٌ عن العقول، والمتشابه ما له تأويل لا يعلمه إلا الله، وإنما نقول ما حكاه الله عن الراسخين: {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (٧) رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّاب} [آل عمران: ٧ - ٨].
فهذه قرائن نضطر إلى أن المراد منها ما ظهر وفَهِمَه السلف والخلف، ومن لم يُغَيِّر فطرته التي فطره الله عليها.