للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الحسن ومحمد: وللعباد أفعالٌ وإرادات نسبها الله إليهم، وعِلْمُ الله وإرادته ومشيئته محيطٌ بإرادتهم، ومشيئتهم، فلا يكون منهم إلاَّ ما أراد وعلم أنه كائنٌ منهم، وقد أراد خلقهم، وخَلَقَهم بعد علمه بما هو كائنٌ منهم، وأنه لا يكون منهم إلاَّ الذي كان، وقد سبق في علمه أنه يكون منهم مؤمن وكافر، ومُطيع وعاصٍ، وشقيٌّ وسعيد، وفريق في الجنة، وفريق في السعير، وقد أراد أن يتم كون ما علم أنه كائن، وقد أراد تبارك وتعالى أن تكون الدنيا دار بلوى واختبار.

قال محمد: وقد شاء الله أن يَسْعَدَ أهلُ طاعته، ويشقى أهلُ معصيته، قال الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: ٥ - ١٠] وليس ما سبق في علم الله بعذرٍ لأحد في ترك ما أمر به، وركوب ما نهى عنه.

قال الحسن ومحمد: فمِنَ العباد من أوجب الله له الجنة والنار بسبب البلوى والاختبار، ومنهم من أراد أن يدخله الجنة بسابق علمه فيهم بلا بلوى ولا اختبار كمَنْ لم يلزمه من الله حجة نحو المعاتيه والبُلْهِ والأطفال.

قال الحسن: وكذلك حورُ العين منّاً منه وفضلاً ورحمة، فمن منَّ الله عليه بالعقل، والسمع، والبصر، والسلامة، والفهم، لما جاءت به الرسل، فقد وَجَبَت عليه الحجة، واتباع ما جاءت به الرسل.

قال محمد: ومن ألزمه الله عزَّ وجلَّ بالعقل، والفهم والسمع، والبصر، والقوة، والسلامة من الآفات المانعة لقبول ما جاءت به الرسل، فذلك المحجوب لا عُذْرَ له في إضاعة شيءٍ مما كَلَّفه الله، قال الله عز وجل: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيم} إلى قوله: {مِيثَاقًا غَلِيظًا} [الأحزاب: ٧]، وقال: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهم (١)


(١) بالألف وكسر التاء على الجمع، وهي قراءة نافع وابن عامر وأبي عمرو، وقرأ ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي: " ذُرِّيَّتَهُم " على التوحيد " حجة القراءات " ص ٣٠١ - ٣٠٢،
و" زاد المسير " لابن الجوزي ٣/ ٢٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>