وقال الحسن في موضعٍ آخر: فإذا أراد الله بعبدٍ إرادةً في الامتنان والتوفيق، ألهمه التقوى، وحبَّب إليه الإيمان، وزيَّنه في قلبه، وكرَّه إليه الكفر والفسوق والعصيان، ووفَّقَه للعمل الصالح منَّاً من الله ورحمة يختص بها من يشاء من عباده، ويُفَضِّلُ بعضهم على بعض كيف يشاء من غير استحقاق، وأعطى الأنبياء من خزائن رحمته وتفضُّله ومَنِّه وتوفيقه، وخصَّهم برسالته، ورفعهم على خلقه منَّاً منه ورحمةً وفضلاً، ولا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، ولله ملك السماوت والأرض وما فيهما، فهم في ملكَتِه، والقدرة محيطة بهم، يفعل في عبيده ما يشاء، ويملك حياتهم، وموتهم، وأرزاقهم، وحركتهم، ومنطقهم، وشهوتهم، وقلوبهم، وأسماعهم، وأبصارهم، فليس يتحرك متحركٌ، ولا يطرِفُ طارفٌ ولا ينطِقُ ناطقٌ إلاَّ وهو في ملكته والقدرة محيطة بهم، وعلم الله وتقديره ومشيئته سابقة فيهم قبل خلقهم، قال الله تعالى:{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ}[النور: ٢١] فالحجة من الله على المطيع والعاصي، وما يتفَضَّل به على العباد من العفو أكثرُ من العقوبة، قال الله:{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّة}[فاطر: ٤٥]، وقال:{ويَعْفُو عن كثيرٍ}[الشورى: ٣٤].
وليس للعباد على الله سبحانه أن يخلقهم، ولا لهم عليه أن يَهْدِيَهم، فكُلُّ خيرٍ ناله العباد من الله، فإنما هو بمنِّ الله وفضله، وإنما خلق الله العباد عبيداً مماليك يملِكُهم، ويملِكُ جميع ما حولهم، وبالخلق إلى الله الحاجة في كل وقت، والله الغني عنهم وهم الفقراء إليه، وقال:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ}[النحل: ٧٥]، وقال: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّه} [الكهف: ٢٣ - ٢٤] وقال: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُون}[الأنبياء: ٢٣].