وسُئل الحسنُ عن السعيد والشقي متى يكون سعيداً وشقياً؟ فقال: السعيد في علم الغيب عند الله سعيد قبل أن يُخلق، ولا يكون من فعل العبد، وما يُختم له به إلاَّ بعمل السعادة حتى يجعله الله سعيداً بعمله برحمةِ الله له، ويكون فعله موافقاً لما سبق في علم الغيب فيه.
والشقيُّ في علم الله شقيٌّ قبل أن يُخلق، ولا يكون من فعله وخاتمة عمله إلا عمل الأشقياء حتى يكون عمله وما يختم له به موافقاً لما سبق في علم الله أنه شقي. نسأل الله أن يَمُنَّ علينا بالسعادة ولا يجعلنا من الأشقياء برحمته، فإنه ولي ذلك، والقادر عليه، وكان أمر الله قدراً مقدوراً، وقال:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِين}[يونس: ٩٩]، وقال: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُم} [هود: ١١٨ - ١١٩] أي: للرحمة، وقال:{ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْس}[الأعراف: ١٧٩]، وقال:{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا}[مريم: ٧١]، وقال:{فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا}[الأنعام: ١٢٥]، وقال: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (٧) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحجرات: ٧ - ٨]، وقال:{وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا}[النساء: ٨٣]، وقال:{وما كُنَّا مُعَذِّبين حتى نَبْعَثَ رَسُولاً}[الإسراء: ١٥]، وقال:{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[فصلت: ١٧] فأخبر الله سبحانه أنه لم يُعَذِّبْ من عصاه إلاَّ بعد البيان والحجة، والإعذار إليهم، فكان عذابه لهم عقوبةً إذْ عصوه.
وقال محمد في المسائل: وسألتَ عمَّن يقول: إن الله لم يخلق شقيّاً ولا سعيداً. فإنا نقول: قد خلق الله الشقيَّ والسعيد، فلن يزول عن الشقي أن يكون شقيّاً، ولا عن السعيد أن يكون سعيداً، وهو الذي سبق في علم الله أن يُسْعِدَ