للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسألت عمن يقول: إن الله شاء لخلقه (١) أن يكونوا عالمين بأمر الله، ولكن تركوا ذلك بقول: لو شاء الله أن يجعلهم مجبولين على ذلك لفعل، ولم يخرجوا عن (٢) ذلك، ولكن شاء جلّ وعزَّ أن يأمرَهُم بعد البيان، واتخاذ الحجة أن يكونوا عالمين عاملين بأمر الله، والمنُّ والتوفيق من الله لمن قَبِلَ أمره، قال الله عز وجل: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: ٥].

وقال لا شريك له: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء: ١٣٥] فقد شاء أن يكونوا قوَّامين بالقسط شهداء (٣).

قلت: يعني: بمشيئة الأمر كما يدل عليه أول كلماته (٤) وآخرها، وكما مرَّ في قوله تعالى: {وما خَلَقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إلاَّ ليَعْبُدونِ} [الذاريات: ٥٦].

وقال عليه السلام: وقد قال سبحانه: {ولو شِئنا لآتينا كُلَّ نَفْسٍ هُداها} [السجدة: ١٣]، وقال سبحانه: {لو يشاءُ الله لهَدَى الناسَ جميعاً} [الرعد: ٣١]، وقال: {وَلَوْ شاء ربُّك لآمَنَ مَنْ في الأرضِ كلُّهم جميعاً} [يونس: ٩٩]، وقال: {ولَوْ شاءَ الله لَجَمَعَهُم على الهُدى} [الأنعام: ٣٥] وهو كما قال عز وجل، ولكن الله شاء أن يأمُرَهُم وينهاهم بعد البيان ليتخذ عليهم الحجة.

وقال: {وما كُنَّا مُعذِّبينَ حتَّى نبعثَ رسولاً} [الإسراء: ١٥] شاء الله أن يُكرم أهلَ طاعته، ويُهينَ أهلَ معصيته.

وسُئل عن قوله تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِه} [فاطر: ٢]، فقال: ذلك المطر يُغاثُ به العباد، فهو من رحمة الله تعالى لا مُرْسِلَ له غيره، وإن يُمْسِك، فلا مرسل له غيره. وكذلك كل ما أنعم الله به على خلقه، فعلى هذا السبيل.


(١) في (ش): إن يشأ لخلقه.
(٢) في (أ): من.
(٣) ساقطة من (أ).
(٤) في (أ): كلاماته.

<<  <  ج: ص:  >  >>