للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد عظَّم حقَّ المساكين في كتابه الكريم، وقرَنَه بالإيمان به، فقال: {إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (٣٣) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِين} [الحاقة: ٣٣ - ٣٤] ومَدَح على إطعام الأسير وهو كافرٌ، وأمثال ذلك مما لا يُحصى.

ولقد تنزَّه الربُّ سبحانه غاية التنزه من العَبَث، ونصَّ على نزاهته منه في كتابه العزيز، والعبثُ: اسم لما لا نفع فيه ولا ضرر، بل قال تعالى فيمن جوَّز ذلك عليه: {ذلك ظَنُّ الذين كَفَروا} [ص: ٢٧] فكيف بإرادة تعذيب أكثر الخلائق أبدَ الأبدين من غير حاجةٍ ولا حكمةٍِ فيه.

والجواب عليهم أن ما ذكروه من سَعَةِ رحمة الله، وبالغ حكمته، ونزاهته عن العبث وكل نقصٍ في الصفات والأسماء والأفعال حقٌّ لا ريب فيه ولا شكَّ، ولكنهم وهموا في أمرين جليَّين:

أحدهما: وهموا أن مذهبهم سالمٌ من المناقضة في ذلك.

وثانيهما: وهموا أن مذهب أهل السنة يستلزم نفي ذلك، وليس كما وهموا في الجانبين جميعاً (١)، ووهمُهم في ذلك يتبينُ بذكر أربعة وجوهٍ تشتمل على معارضةٍ جدلية، وموعظةٍ خطابية، وحجةٍ جُملية بُرهانية إجماعية، ونافلةٍ تفصيلية خلافية.

أما الوجه الأول. وهو المعارضة الجدلية فبأمرين:

أحدهما: أنهم لم ينفصلوا من الاعتراض الذي حسبُوه لازماً لأهل السنة إلا بالتزام (٢) أشدَّ منه في البطلان كما مر تقريره.

وذلك أنهم زعموا أن المراد تحصيل ما عَلِمَ الله أنه لا يحصل، أو التعريض لذلك، وهذا لا يَصِحُّ عقلاً وسمعاً كما مرَّ بعضُه ويأتي بقيته، وإن


(١) في (ش): معاً.
(٢) " إلاَّ بالتزام " ساقطة من (أ).

<<  <  ج: ص:  >  >>