وقد يُصَرِّحُ بعضهم بذلك حتى يتفاحش ضَعْفُ ما رَوَوْه، لكنهم أحسن الناس حالاً في ذلك لأنهم يُبينون (١) تلك الطريق الضعيفة، ولا يخفى ضعفها على صاحب البصيرة، ويفعلون ذلك للاحتياط في العمل الذي يُحتَاجُ إليه، لورود التكليف به، ولذلك كان السلف أقل الناس خوضاً في المشكلات لِكمالِ علمهم، لا لنقصانه كما ظنه بعض المتأخرين.
وما أحسن قول العلامة ابن عبد السلام في كتابه " القواعد ": إن العالم هو من يَعْرِفُ البَيِّنَ والشُّبْهَة، وليس في مقدوره أن يجعل الشُبْهَة من البينات، والبينات من المتشابهات.
ولا شكَّ أن تَطَلُّب علم ما لا يُعْلَمُ، والشَّرَهَ في ذلك وتحكيم بادىء الرأي فيه، وتقديمه على النصوص هو أساس كلِّ فسادٍ، ولذلك نسبه الله في القرآن إلى السُّفهاء، فقال تعالى:{سيقولُ السفهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلاَّهُم عَنْ قِبلتِهمُ الَّتي كانُوا عَليْها} إلى قوله: {وإنْ كانتْ لكبيرةً إلاَّ على الذينَ هَدى الله}[البقرة: ١٤٢ - ١٤٣]. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٠١) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِين} [المائدة: ١٠١ - ١٠٢] ونحوها قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِين}[البقرة: ٢٦]، وقوله تعالى:{وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}[المدثر: ٣١].