للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العاصي، فلذلك سمَّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنزال الكتاب، وإرسال الرسل عُذْراً إلى الخلق، حيث قال في الحديث الصحيح: " لا أحد أحبُّ إليه العُذْرُ من الله، من أجل ذلك أنزل الكتب وأرسل الرسل ". رواه مسلم من حديث ابن مسعود وأصله في " الصحيحين " معاً (١).

ولهما من حديث المُغيرة نحوه، ولفظه: " من أجل ذلك بعث الله المنذرين والمبشرين " (١).

وقال الله تعالى في مثل ذلك: {فالمُلْقِياتِ ذِكْراً عُذْراً أو نُذْراً} [المرسلات: ٥ - ٦]، وقال: {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} [الكهف: ٧٦].

وحكى الله عن صالحي بني إسرائيل أنَّهم سَمَّوْا نهيهم لمن لا ينتهي معذرةً إلى ربِّهم، ألا تراهم ما سموها معذرةً إلاَّ حيث كانت غير نافعةٍ لهم، وذلك في نحو قوله تعالى: {وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُون} [يس: ١٠] وإنما أُنْذِرُوا عذراً إليهم وحجة عليهم، ولذلك قال: {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْر} [يس: ١١] أي: الإنذار النافع المراد به النفع (٢) لمن بلغه.

ومثل ذلك في المعنى وإن لم يَرِدْ بلفظ العذر قوله تعالى: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّة} [البقرة: ١٥٠] وذلك أن اليهود كانوا فرحوا بكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استقبل بيت المقدس في أول الأمر (٣)، وهو قبلتهم


(١) تقدم تخريجهما في ص ٥٨ من هذا الجزء.
(٢) تحرفت في (ش): ليقع.
(٣) أخرجه الطبري في " تفسيره " (١٨٣٣) و (٦١٦٠) و (٢٢٣٦)، والبيهقي ٢/ ١٢ - ١٣ من طريق عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: كان أول ما نُسخ من القرآن القبلة، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما هاجر إلى المدينة، وكان أكثر أهلها اليهود، أمره الله عزَّ وجلَّ أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بضعة عشر شهراً، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب قبلة إبراهيم =

<<  <  ج: ص:  >  >>