للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُون} [العنكبوت: ٤٠].

ألا ترى أن الصيحة تحسن من الله بغير ذنب عند الخصوم كالنفخ في الصور المُفزع، بل المهلك لأهل السماوات والأرض إلاَّ من شاء لله.

وكذلك الغَرَقُ في الماء قد (١) يقع فيه من لا ذنب له من الطير والبهائم، ومن هو مرضيٌّ عنه من عباد الله، ويمكن أنما سمَّاه ظلماً كما سمَّى استقبال بيت المقدس حجة في قوله تعالى: {لِئَلاَّ يكُونَ للنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} [البقرة: ١٥٠]. كما مر تقريره والله أعلم.

ومثلها: {لئلاَّ يكون للناس على الله حجةٌ بعد الرسل} [النساء: ١٦٥] يمكن أن المراد معاذير يجادلون بها جمعاً بين الأدلة والله أعلم.

ويوضح ما ذكرناه ما سيأتي في مسألة الأطفال من أنهم يُكَلَّفون يوم القيامة ويمتحنون بما يقطع به عذرهم (٢) كما فعل الله مع البالغين في الدنيا.

وقد رد الله تعالى على المشركين قولهم: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُون} [السجدة: ١٢]، بحجتيه (٣) معاً وبدأ بالحجة السابقة المشتملة على الحكمة الباطنة وهي قوله: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين} [السجدة: ١٣] ثم أردفها بالحجة الثانية (٤) الظاهرة المناسبة لعقولهم، فقال: {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُون} [السجدة: ١٤].

وإنما بدأ بالحجة السابقة والحكمة الباطنة لما في عباراتهم من الإشعار باعتراض الحجة الظاهرة حيث ظنوا أن المراد بخلقهم هدايتهم إلى العمل


(١) ليست في (ش).
(٢) في (ش): أعذارهم.
(٣) في (ش): بحجتين.
(٤) ساقطة من (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>