للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصالح، وهذا غرضٌ مستدرك، فأخبرهم عزَّ وجلَّ بما معناه أنه لم يَعْجَزْ عن هذا في الابتداء حتى يستدركه في الانتهاء، ولكنه حق منه القول في الابتداء بدخولهم النار لحكمةٍ راجحةٍ، ثم ضمَّ إليها الحجة بالعمل زيادة في العذر والعدل، كما كتب الأعمال، وأشهد الملائكة، ونصب الموازين، وعلمه الحق ثم علمهم مغنٍّ عن جميع ذلك.

وقد كرر الله حجته الباطنة، وأكدها في الابتداء كثيراً، وفي الانتهاء بنحو {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا} [الأنعام: ٢٨]، وكذلك ما تقدم من الآيات التي في سورة الإسراء إذا تأمَّلتها من أولها وجدتها جامعةً للحجتين، حيث قال تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} [الإسراء: ١٣] أي: ما عَمِلَ من خيرٍ أو شرٍّ، وقيل: حظه المقضي له من خير أو شر، وهذا هو القدر، وهو الحجة الأولى السابقة، ووجه الاحتجاج به أنه فعل حُكمه (١)، ثم أتبعه بالحجة الظاهرة، فقال: {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (١٣) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} إلى قوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: ١٣ - ١٥] ثم بين الحكمة في الرسل في حق من علم هلاكه، فعقَّب ذلك بقوله: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: ١٦].

ثم بيَّن بعد هذا (٢) أن علمه بذنوب عباده أبلغ كافٍ لكنه زاد ذلك لقطع العُذر وزيادة الحجة، فقال: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} [الإسراء: ١٧].

والجمع بين الحجتين كثيرٌ في كتاب الله تعالى لمن تأمله فلله الحمد والمشيئة والحكمة والحجة.

وقد كنت أظن أنه لم يسبقني أحدٌ إلى ذكر (٣) هاتين الحجتين، لأني لم أزلْ


(١) في (أ): فعل حكيم.
(٢) في (ش): بعدها.
(٣) ليست في (أ).

<<  <  ج: ص:  >  >>