للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى: {وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُم} [هود: ٨١].

وقد يريد الله تعالى بالأمر الوجهين معاً بدليل قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْه} [البقرة: ١٤٣]، وقوله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت: ٢]، وقوله تعالى: {حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران: ١٧٩].

فهذه الآيات وأمثالُها مما يكثر إيراده شاهدةٌ على أن أمر من عَلِمَ الآمر أنه يُعصى غير ملازم لإرادة امتثاله (١) مع ما يدركُه العقل من ذلك، وهذان النوعان واردان في الشرع وروداً كثيراً، ولا يمنع العقل من ورودهما، ولكنهما نادران في عاداتِ الناس، إذْ كانت العادات جارية بأن الأمر قرينة تدل على حاجة الآمر إلى مطلوبه، وذلك دليل على إرادتِه ما أمر، ولما قَلَّ في العادة الأمر من غير إرادة غفل عنه المعتزلي وظنه محالاً، وليس بمحال، وإنما المحال ما جوَّزه المعتزلي من إرادة حصول ما جَزَم الآمر، وعلم أنه لا يحصُلُ أبداً، ولذلك جاء على أبلغ صيغ الإنكار في قوله عز وجل: {أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} [النساء: ٨٨]. فلم ينكر هذه الإرادة لِقُبح ما تعلَّقت به وهو الهُدى، لأنه حسن قطعاً، وإنما أنكرها لتعلُّقها بما علم أنه لا يقع، ولذلك خصَّ ذوي الألباب بإرادة التذكر في قوله: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَاب} [إبراهيم: ٥٢].

وأمثالها كثيرة كقوله تعالى: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُون} [النحل: ٦٤].

وقوله عز وجل: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين} [النحل: ٨٩].


(١) تحرفت في (أ) إلى أمثاله.

<<  <  ج: ص:  >  >>