للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله سبحانه: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: ١٠٢].

ولو كان ذلك الذي زعموه ممكناً، لأمكن من أحدنا أن يريد من الله تعالى أن يفعل له ما يعلم أنه لا يفعله من أن يرفعه إلى السماء، أو يُحيي له من مات من أهله، أو يرُدَّ له أيام الشباب بعد الهرم. فذلك ممكنٌ مقدور لله تعالى، وإنما استحالتْ إرادة ذلك من العقلاء لعلمهم أنه لا يقع، ولأمكنت إرادة القبيح والمضارِّ التي لا داعي إليها، كنكاح الأمهات وقتلها.

ولما قَبُحَ عند الخصوم إعلام المُكَلف بأنه من أهل النار، وقد قبَّحوا ذلك، بل قَبَّحوا الإعلام بصغار (١) الذنوب مع بقاء الداعي إلى تركها، وهو استحقاق الثواب عليه، والصارِف (٢) عن فعلها، وهو فواتُ الثواب بسببه.

وأما ما نجدُ من شهوةِ ما لا يكون وتمنيه (٣)، فليس من الإرادة في شيء، وقد يُعَبِّرُ عن تلك الشهوة بالإرادة، كقوله تعالى: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا} [السجدة: ٢٠] وليس من قبيل الإرادة الاختيارية، لأنهم غير قادرين على إرادة البقاء في النار، على أن علمهم حين (٤) أرادوا ذلك بعدم (٥) وقوعه ممنوعٌ بدليل سؤالهم ذلك في قولهم: {ربَّنا أخْرِجْنا مِنْها} [المؤمنون: ١٠٧] وقولهم: {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّك} [الزخرف: ٧٧] وذلك واضح.

وذكر بعض أهل السنة أشياء في الاستدلال على أن الأمر قد يفارق الإرادة وهذا الذي ذكرته أصحُّ، ولا يخلو ما ذكروه من نظر من ذلك الدعاء في صلاة الاستسقاء حيث لا يُسقَون، وشفاء المرضى حيث لا يُشْفَون، وببقاءِ الأنبياء والأولياء، وطلب طول أعمارهم.


(١) في (ش): بصغائر.
(٢) في (ش): فالصارف.
(٣) في (ش): وتمكينه.
(٤) في (ش): حيث.
(٥) في (ش): لعدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>