للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: وكلُّ ما ورد في القرآن من إرادة الخير المتعلِّق بأفعال العباد، فهو محمولٌ على أحد معنيين: إما ثناءٌ ومدحٌ في الحال، وإما ثوابٌ ونعمة في المآل، وإلا فالإرادة الأزلية لا تتعلَّقُ إلاَّ بما هو متجدِّدٌ من حيثُ هو كذلك، ولا متجدِّد إلاَّ وهو فعلُ الله تعالى من حيث هو كذلك، وذلك لا يُنْسَبُ إلى العبد كما بينا في (١) خلق الأفعال.

واختصت الإرادة بأفعال الله تعالى على الحقيقة دون الوجوه التي لا تُنْسَبُ إلى الحق سبحانه، فلم يجب تلازم الأمر والإرادة إلى قوله: وأما قوله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء: ٢٧] ونحوها محمولٌ على كلمةٍ ذكرها الصادق جعفر بن محمد رضي الله عنه، فقال: إن الله تعالى إذا أراد بنا، وأراد منا، فما أراد بنا، أظهره لنا، وما أراده منا طواه عنا، فما لنا لا نشتغل بما أراده منا عما أراده بنا.

ومعنى ذلك أنه أراد بنا ما أمرنا به، وأرادَ منا ما عَلِمَه، فكانت الإرادة واحدة، يختلف حكمها باختلاف وجه تعلقها بالمراد، وهي إذا تعلقت بثوابٍ سُميت رضا ومحبةً، وإدا تعلقت بعقاب سُميت سُخْطاً وغضباً.

كذلك إذا تعلقت بالمراد على وجه تعلُّق العلم، قيل: أراد منا ما عَلِمَ، وإذا تعلقت بالمراد على وجهِ تعلق الأمر، قيل: أراد به ما أمر، وإذا تعلقت بالصنع مُطلقاً بتخصيص وتعيين من غير التفات إلى كسب العبد حتى يكون أراد منه، أو أراد به، قيل: أراد الكائنات بأسرها، ولم يقل: أراد منها ولا بها، بل أرادها على ما هي عليه من التخصيص بالوجود دون العدم.

فإذاً فأفعال العباد من حيث إنها أفعالهم إما أن يقال: تعلق الإرادة بها على الوجه الذي انتسب إلى العباد، بل على الوجه الذي انتسب إلى الخالق إيجاداً


(١) (فراش): سيأتي.
(٢) ساقطة من (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>