للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه التسمية إما حقيقةٌ عُرفية أو مجاز شائع كثير سبق بأدنى قرينةٍ إلى الفهم، وأول كل حقيقة عرفية (١) مجاز كذلك، وهو كثير، ومنه قول الشاعر، وهو قيسُ بن الخطيم الأوسي، والبيت في الحماسة في أبيات له:

يريدُ المرءُ أن يُعْطَى مُناه ... ويَأْبَى الله إلاَّ ما يشاء (٢)

فالإرادة في هذا البيت بمعنى المحبة من غير شكٍّ، لأنها تعلَّقت بما ليس من فعله، ولا يقدر عليه، ولأنها لم تُعَلَّقْ بتخصيص الحادث المتجدد بوقتٍ دون وقتٍ، ولا قدرٍ دون قدر، ولا وجهٍ دون وجه، وذلك لازمٌ للإرادة الحقيقية في اللغة.

وهذان القسمان من الإرادة مُلازمان للطلب والمحبة، وقد يعبر عنهما معاً، وعن المحبة وحدها بالإرادة حقيقةً عُرفية أو مجازاً.

فمن هنا كانت الإرادة والمحبة تُعديان هنا بحرف " من " دون " الباء " وذلك لأن الطلب يعدى بمن التي لابتداء الغاية، تقول: طلبتُ من الله تعالى، كما تقولُ: سألت منه، وأردتُ منه، قال الله تعالى: {ما أُريدُ منهم مِنْ رِزْقٍ} [الذاريات: ٥٧] فعداها بمن لأنها بمعنى ما أطلب منهم.

والعجب ممن يقول: إن الله تعالى يريد المعاصي من العصاة، ثم يقول:


(١) ساقطة من (ش).
(٢) هو في " ديوانه " ص ٩٦، و" الحماسة " بشرح المرزوقي ١١٨٧، و" خزانة الأدب " ٧/ ٣٦، و" زهر الأكم في الأمثال والحكم " ١/ ١٥٩.
وقيس بن الخطيم: هو ابن عدي بن عمرو الأوسي أبو يزيد، شاعر الأوس، وأحد صناديدها في الجاهلية، عرض عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإسلام وهو في مكة، فاستنظره قيس حثى يَقْدَمَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، ولنكايته في الخزرج في حربها مع الأوس تواعدوا على قتله بعد أن هدأت الحرب، فقتل على كفره قبل قدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة. انظر " الأغاني " ٣/ ١ - ٢٦، و" الخزانة " ٧/ ٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>