للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الأزمان: فلخروج أكثرها وهو ما بعد الموت.

وهذا الوجه أيضاً هو قول البغدادية منهم، وتلخيصه: أن الله تعالى خلق الكافر لما عَلِمَ في خلقه من حصول عبادة المؤمن، واللُّطفِ له، لأنهم لو عَلِمُوا أنه لا يخلق إلاَّ أهل الجنة، كان مفسدةً بينةً كما يأتي بيانه مُفصَّلاً في الدواعي.

فكأنه قال: ما خلقت الجميع إلاَّ لما في خلقِهم من حصول عبادتي من أهلها على أحسنِ الوجوه التي من أعظمها وأحبِّها إلى الله تعالى الجهاد، لأنه أحبُّ الأعمال إلى الله تعالى. ولذلك خلق الأضداد: كالقلوب والنفوس، والعقول والشهوات، والملائكة والشياطين، والمسلمين والكافرين.

وأيضاً فإنه سبحانه في الجهاد يَمِيزُ الخبيث من الطيب كما صرح بذلك، ويُمَحِّصُ المؤمنين، ويتخذ منهم شهداء، وقد أنكر خلاف هذا على من طَمِعَ فيه، حيث قال سبحانه: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت: ٢] وأشار إليه في قوله: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: ٢] على ما يأتي تقريره في مسألة الدواعي من أن المقصود ظهور الأحسن لا الأقبح، وإن وقع الأقبح، فليس هو المقصود الأول المعبَّر عنه بالمراد لذاته ولنفسه، وإنما هو المراد لغيره، وذلك الغير هو الأحسن كما أشارت إليه الآية الكريمة، ويأتي في ذلك حديث كُرْزِ بن علقمة (١) في منتهى الإسلام، وأن


(١) أخرجه عبد الرزاق (٢٠٧٤٧)، والحميدي (٥٧٤)، وأحمد ٣/ ٤٧٧، والبزار (٣٣٥٣) و (٣٣٥٤) و (٣٣٥٥)، والطبراني ١٩/ (٤٤٢) و (٤٤٣) و (٤٤٤) و (٤٤٥) و (٤٤٦) من طرق عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن كرز بن علقمة الخزاعي قال: قال رجل: يا رسول الله، هل للإسلام من منتهى؟ قال: " أيُّما أهل بيتٍ -وقال في موضع آخر: قال: نعم، أيما أهل بيت- من العرب أو العجم أراد الله بهم خيراً أدخل عليهم الإسلام " قال: ثم مه؟ قال: ثم تقع الفتن كأنها الظُّلَلُ " قال: كلا والله إن شاء الله، قال: " بلى والذي نفسي بيده ثم تعودون فيها أساود صُبّاً يضرب بعضكم رقاب بعض ".
وقوله: " أساود صباً " قال ابن الأثير: والأسود أخبث الحيات وأعظمها وهو من الصفة =

<<  <  ج: ص:  >  >>