للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجزم. ويشهدُ له: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: ٣٥].

فإذا تقرَّر هذا، فإن الرب سبحانه وتعالى يحب من كل خير، وفضل، وبِرٍّ، ومعروف، وإحسان، وعفو، وتكرُّم أعظمه، وأكمله، وأتمه، وأفضله، وأحسنه، وأجمله، قال الله تعالى في نحو ذلك بعد ذكر من لا يُهدى أبداً: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ} [الكهف: ٥٨] فسمى الله تأخير العذاب مغفرة ورحمة، وقال تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} [الجاثية: ١٤]، وقال تعالى: {فاعفُوا واصفحوا} [البقرة: ١٠٩].

وفي هذه الآيات والآثار دلالةٌ على أن المغفرة في الدنيا بعد الذنوب مما أراده الله سبحانه، وتمدَّح به، وأمر به المؤمنين، وندبهم إليه، ثم إذا لم يلتطِفْ عبد السوء بالرحمة والعطف، ولم ينتفع بالرفق واللطف، أذاقه الله تعالى من العذاب الأدنى تارة على جهة التكفير، كما جاء فيم حدود المسلمين وآلامهم، وتارة على جهة التذكير، كما قال تعالى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [السجدة: ٢١] ثم بعد ذلك يعاودُ الإمهال، وإقامة الحجة بكثرة النعم، ثم بعد ذلك ينتقم منهم للمؤمنين، ويجعلهم موعظة للمتقين كما وردت به النصوص إلى غير ذلك من الحكم والغايات الحميدة، قال الله تعالى: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٤٣) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (٤٤) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين} [الأنعام: ٤٣ - ٤٥].


= التعليق" ٤/ ٣٠٣ من طريق عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس. قلت: علي بن أبي طلحة روايته عن ابن عباس مرسلة، فإنه لم يره.
وذكره السيوطي في " الدر المنثور " ٧/ ٣٢٧ وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.

<<  <  ج: ص:  >  >>