فأشار بقوله:{والحمدُ للهِ ربِّ العالمين} إلى استحقاقه الحمد على ذلك، لما يصحبهُ من الحجة الدامغة، والحكمة البالغة في نصر المؤمنين، والانتصاف للمظلومين، وغير ذلك، وإليه الإشارة بقوله:{وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين}[الزمر: ٧٥].
بيان ذلك أنه لما كان موجب كمال صفات الله تعالى وملكه الحق يقتضي أن يكون ملكاً عزيزاً مخوفاً مَهيباً يُخاف ويُهاب، ويُخشى ويُتَّقى مثلما يُسترحمُ ويُستعطف، ويُسأل ويُرتجى كما سيأتي في آخر مسألة الأفعال في ذكر اسمه الضار النافع، وبيان أن ضره عدلٌ ونفعٌ وحكمة، كان من موجب كماله في الملك والربوبية، وموجب صفاته التي يستحيل تعطيله عنها، ويستحيل تخلُّف آثارها عنها، وسلبُ أحكامها منه، أن عبد السوء متى أصرَّ على عصيانه، وتعدى حدوده وتجبَّر على أوليائه، ولم يشكر النعمة في إمهاله، وإقاله عثرته، ولا قبل ما عَرضَه له من غُفرانه، وعلم الله سبحانه إصراره على مثل ذلك لو عاد له بالإمهال، جاز أن يُبَدِّلَ تلك الرحمة بالسخط والرفق بالعُنف، والنعمة بالعقوبة، والتيسير لليسرى بالتيسير للعسرى لما يأتي من وجوه الحكمة في تقدير الشرور والعقوبات، وله في ذلك الحكمة البالغة، والحجة النيرة.
قال الله سبحانه:{وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب}[البقرة: ٢١١].