للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥٧]. وعلى هذا لا يجوزُ أن يقال: إن الله تعالى أراد المعاصي من العباد، لأنه يستلزِمُ أنه طلبها منهم، وعليه يُحملُ قوله تعالى: {ما خَلَقْتُ الجِنَّ والإنس إلا لِيَعْبُدون} [الذاريات: ٥٦] أي: لطلب ذلك منهم، وأمرهم به، ومحبة شرع ذلك لهم ديناً يتقربون به، وقد يُسمى هذا الطلب والمحبة إرادة كما مضى.

وإن كان الحرف (١) هو الباء الموحدة أو اللام كانت الإرادة ملازمة للعلم، وكان المفعول الثاني (٢) كالعلة في الأول غالباً، ودلَّ تخلُّفه على عدم قُدرةِ من أراده.

وعلى هذا قال أهل السنة: إن الله تعالى ما أراد بالكفار الطاعة والجنة، ولا أراد ذلك لهم، لأنه لو أراد ذلك بهم ولهم، كان كما أراد، ولو لم يكن كما أراد استلزم عقلاً وسمعاً ما لا يجوزُ على الله تعالى من العجز، لأن معنى أرادها بهم ولهم: أراد أن يَهديَهم لها، ولذلك قالت المعتزلة: إنه لا يَقْدِرُ على هدايتهم عز وجل عن ذكر ذلك، وجمع ذلك، فإن الله تعالى يكره المعاصي ولا يحبها، ولا تناقض بين ذلك لاختلاف الجهات التي تعلقت بها إرادته وكراهته.

وسيأتي جواز تعلق المحبة والكراهة بالشيء الواحد باعتبار جهتين، وقد مرَّ أيضاً وما أحسب فيه خلافاً.

وهذا التفصيل والتلخيص قلَّ من يعرفه، بل ما تلخصَ لي إلاَّ بلُطفِ الله بعد تكرار النظر مدة طويلة، فالحمد لله.

وقد يخالفهُ عبارة بعض أهل السنة، فيقولون: إن الله تعالى أراد المعاصي من العباد، ولا يعنُون إرادة الطلب قطعاً، بل يعنون: أرادها لهم وبهم لما يأتي من وجوه الحكمة، لا لأجل قبحها، فإنه يجب القطعُ بأنه لا يريدها من حيث قبحت كما قال: {وما الله يُريدُ ظُلْماً للعبادِ} [غافر: ٣١]، وفي آيةٍ


(١) في (ش): الجواب.
(٢) في (ش): الثاني المفعول.

<<  <  ج: ص:  >  >>