للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{للعالمين} كما سيأتي بيانه في رد أدلة المعتزلة، وبيان مقاصد أهل السنة.

وإنما أخطؤوا في العبارة وحَسِبُوها تدل على عدم الطلب كما صرح الشهرستاني بذلك كما مضى تقريره في كلام جعفر الصادق، والأولى تجنبُ هذه العبارة، لأنها توهم أنه يأمُرُ بالمعاصي ويُحبها من حيث هي معاصٍ، وليس كذلك قطعاً كما يأتي.

بل الذي أُحبُّه وأرتضيه للسني أن لا يتجاوز ألفاظ القرآن والسنة، فإنها لم تَرِدْ إلاَّ بما يقتضي به كمال قدرة الله تعالى من التمدح بنفوذ المشيئة في كل شيء، وهذا وصف عظيم يختص به الرب، ويعجز عنه كل قادر سواه بخلاف مجرد إرادة القبيح، فإنه قد يَقَعُ من الضعيف والعاجز، ومتى تعلقت إرادة القبيح بالوجه الذي قبح لأجله تنزه الرب تعالى عنها بالمرَّة كما يتنزه عن كل عيب وذمٍّ كما قال تعالى: {وَمَا الله يُريدُ ظُلماً للعِبادِ} [غافر: ٣١]، وإن كان سياقها يقتضي أن المراد: وما الله يريد أن يظلِمَ العباد كما سيأتي، فإن العلة قبح إرادة القبيح بغير شك، واختصت بشرار خلقه، ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها.

وما أحسن عبارة موسى كليم الله عليه السلام حيث قال: اللهم إنك رب عظيم لو شِئْتَ أن تطاعَ، لأُطِعْتَ، ولو شئتَ أن لا تُعصى، ما عُصيت، وأنت تُحبُّ أن تطاع، وأنت في ذلك تُعصى فكيف هذا يا رب؟ وسيأتي إسناده (١).

وفيه إشارةٌ إلى ما استنكرته المعتزلة من تعلُّق محبته بالطاعات، وعدم إرادته لوقوعها باعتبار الجهتين (٢)، ولولا ذلك ما قال موسى عليه السلام: فكيف هذا يا رب؟

فكذلك فلتكن عبارة السُّنِّي، فإن احتاج إلى ذكر إراده الله تعالى للمعاصي في تعليمٍ أو جدال بالتي هي أحسنُ توسُّعاً في العبارة وتمسُّكاً بالإباحة حيث


(١) سيأتي ص ١٨٦.
(٢) في (ش): الوجهين.

<<  <  ج: ص:  >  >>