للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى، لأن ترك اللطف يُناقِضُ ما أراده الله تعالى على زعمِهم مِنْ دخول الكفار الجنة على أبلغ الوجوه.

فنقول: لو كان واجباً مُعَلَّلاً بما ذكرتم لَقَبُحَ على أصولكم تكليف من علم الله سبحانه أنه لا لطف له ألبتة، وأنه لا يدخل الجنة قطعاً، بل من علم أن تكليفه يكون سبباً لخلوده في النار، لأن ذلك أعظم مناقضةً لمراد الله سبحانه لو كان مراده هو ما ذكرتم من دخول الكفار الجنة (١) على أبلغ الوجوه.

فإن قيل: إلزامُكم لهم (٢) تعجيزه سبحانه، وتعالى عن ذلك عُلُوّاً كبيراً، ومنعكم لما اعتذروا به من الإحالة مبنيٌّ على أن الله تعالى يعلم لهم لُطفاً، لكن المعتزلة منعت أن يكون في معلوم الله تعالى للعُصاة لطفٌ، وإذا لم يكن في معلوم الله لطفٌ بهم (٣)، لم يكن في مقدوره، إذ يستحيل أن يقدر على ما لا يعلم، والجواب من وجوه.

الوجه الأول: أنهم أرادوا الاعتذار عن التعجيز بنفي العلم، فزادوا تجهيل الرب تعالى مع تعجيزه تعالى عن ذلك لأنهم فرُّوا من قولهم: إن ذلك عجز، إلى قولهم: ليس بمعلوم، فليس بمقدورٍ فزادوا على نفي القدرة الاستدلال على صحة نفيها بنفي العلم فراراً من لفظ التعجيز إلى نفي القدرة والعلم.

فلا وجه لعدول من عدل منهم عن أن يقول بالتعجيز إلاَّ التستر (٤)، وإلا فالمعنى واحد، لأن أهل الإسلام يجزمون بتضليل من جحد قدرة الله تعالى على هداية عاصٍ واحد من خلقه، كما يجزمون على تضليل من عجَّزَهُ عن ذلك، ولا يفرقون بين العبارتين قبل هذا العرف المبتدع، فاحتالوا على تحسين


(١) من قوله: " يكون سبباً " إلى هنا ساقط من (ش).
(٢) ساقطة من (ش).
(٣) " بهم " لم ترد في (ش)، وفي (ف) لهم.
(٤) في (أ): اليسير، وهو خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>