للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذلك ورد في الحديث " أن المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف " (١)، وما ورد في الشريعة المطهرة في بعض الصور من زيادة الأجر (٢) عند المشقة فسببه رحمة الرب الكريم سبحانه للعبد، وليست المشقة تقتضي بنفسها وجوب ذلك بدليل ما قدمنا من تواتر المضاعفة من غير مشقة.

وكذلك ما ورد من تضعيف العقاب عند ضعف الداعي إلى المعصية، وعدم المشقة في تركها، سببه أنه ضعَّف داعي الرحمة المقتضي لتخفيف كثير من العقاب المستحق فبقي موجب العقاب بلا معارض، لا أن عدم المشقة أو ضعفها انتهض سبباً لتضعيف العقوبة، ويقوِّيه مثل قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ} الآية [النور: ٦١]، فإنه لم ينف الحرج عنهم، لأنهم أفضل من الأصحَّاء (٣)، بل لأنهم أضعف، وقد كان أفاضل الصحابة أصح وأقوى وأقل مشقة واتقى.

ويحتمل جواباً آخر في الوجهين، وهو أن يكون الأجر على المشقة من قبيل الأجر على الآلام، وهي ضرورية لا اختيار للعبد فيها، ويوضحه أن المشقة تزيد وتنقص بغير اختيار، بل توجد وتُعْدَمُ بغير اختيار، فيكون ذلك الأجر زيادة في بعض الصور ومُقَلِّلاً للعقاب في بعضها، وذلك من العوارض التي لا يجب استمرارها، فقد تكون المصلحة والحكمة في تضعيف ثواب ما لم تصحبه تلك


(١) أخرجه أحمد ٢/ ٣٦٦ و٣٧٠، ومسلم (٢٦٦٤)، والنسائي في " عمل اليوم والليلة " (٦٢٣)، و (٦٢٤)، وابن ماجه (٧٩) و (٤١٦٨)، وابن أبي عاصم في " السنة " (٣٥٦)، والطحاوي في " مشكل الآثار " (٢٥٩) و (٢٦٠) و (٢٦١) و (٢٦٢)، وابن حبان (٥٧٢١) و (٥٧٢٢)، وأبو نعيم في " الحلية " ١٠/ ٢٩٦، والخطيب في " تاريخه " ١٢/ ٢٢٣، والبيهقي في " السنن " ١٠/ ٨٩، وفي " الأسماء والصفات " ١/ ٢٦٣، والمزي في " تهذيب الكمال " ٩/ ١٣٥ من حديث أبي هريرة.
(٢) في (ش): من زيادات الأحسن.
(٣) في (أ) و (ش): الأصحاب، وهو خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>