فهذا الجواب قوي جداً وبتحقيقه يتضح ما تقدم أن ما يلحق العبد من المشقة عند أفعاله الاختيارية من جملة صفات النقص التي تنزه عنها الرب عز وجل، وأن أكمل الاختيار، وأكمل القدرة، وأتَمَّ التمكن ما لم تعلق به المشقة والعجز والكسل والتردد في العزم.
الوجه الرابع: أنه لو كان مجرد الاختيار من غير مشقة لا يكفي في استحقاق الثواب، لما كان اختياره تعالى للإحسان إلى العباد يكفي في استحقاق الشكر عقلاً على أصول المعتزلة، لأن الشكر جزاء النعمة، والجزاء في معنى الثواب، لكنه يختص في العُرف بما كان من المرتبة العليا إلى السفلى، فصار الشكر والثواب كالأمر والدعاء صورتهما واحدة، واسمهما ومعناهما يختلف باختلاف عُلُوِّ المرتبة وانحطاطها.
فصورة " افعل " منا إلى الله تعالى دعاء، ومن الله إلينا أمرٌ، ولا ينعكس، والجزاء منا لله تعالى شكرٌ، ولا يكون ثواباً، والجزاء من الله تعالى لنا ثواب، وقد يسمى شكراً إما مجازاً أو عرفاً، ولا يجوز تسمية شكر الله تعالى ثواباً لا حقيقة ولا مجازاً.
فإذا كان الله سبحانه قد أوجب شكره على ما لا يُشَقُّ عليه، والشكر له عز وجل عندهم كالجزاء على إحسانه مع أنه سبحانه هو الغني الحميد، فكيف لا يكون كذلك في حكمته في ثواب العبد؟.
الوجه الخامس: أنه إنما يلزم ما ذكروه بناء على أن الثواب واجب على الله تعالى في العقل، وإن لم يَعِدْ به، ولم يجمعوا على هذا، فإن البغدادية منهم لا يوجبون الثواب، وكذلك طوائف أهل السنة، ولكن الله سبحانه وتعالى يفعله قطعاً لوعده الصادق بذلك، وهم مطالبون بدليل قاطع على إيجاب الثواب عقلاً، وأدلتهم هنا ضعيفة، والطعن ممكن فيها، وبذلك يبطل قولهم: إنه ليس