للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التقدير في هذه الآية: أمرنا مترفيها بالطاعة، ففسقوا، وحذف المفعول اتِّكالاً على ما يقتضيه الأمر من الطاعة، وعلى مناقضة الفسوق للأمر، كما تقول: أمرتُه فعصاني، فإنه يعلم أن المراد: أمرته أن يطيعني فعصاني، وكلام المرتضى في هذا الموضع قويٌّ جداً، كما أن كلام الزمخشري فيه ساقطٌ جدّاً، فيقضي العجب من نسيان الزمخشري في آية المشيئة لفساد تقدير لم يقم عليه من الكلام قرينةٌ ولا دلَّ عليه دليل.

وثانيها: أن الآية تقتضي ترتُّبَ مشيئة المكلفين على مشيئة الله تعالى ترتُّبَ المشروط على الشرط، والمسبَّب على السبب ولا يستقيم ذلك على تقدير الزمخشري.

أما في حق من يشاء الاستقامة، فلأن اللطف لا يلزم من تخلفه عنده تخلُّف مشيئة الاستقامة ممن يشاؤوها، ولا يلزم أيضاً من وجوب وجوده وجودها منهم، ومثل هذا لا يصلح أن يرتَّب على حصوله (١) مشيئتهم.

وأما في حق من لا يشاء الاستقامة، فلأنَّ الإكراه نسبة مشيئة الاستقامة إليهم، لأنه يسلُبُهم صفة المدح بها والوصف بالاستقامة التي أمر بها في قوله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كما أُمِرْتَ} [هود: ١١٢] والتي مدح الله بها ورتب الجزاء عليها في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فصلت: ٣٠] فلا يصح نسبتها إلى المكره لا حقيقة ولا مجازاً.

أما الحقيقة: فظاهر.

وأما المجاز: فلعدم العلاقة الظاهرة ها هنا المقتضية لتشابه المجبور على الاستقامة والمختار لذلك، فإن هذه الأسماء التي في الاستقامة في هذا الموضع، والهدى والرِّفعة في غير هذا الموضع معدومةٌ عند القهر والعدم منقطعة التشبيه، ولو جاز وصف المجبورين بذلك لجاز وصف الممسوخين قردةً وخنازير


(١) في ش: حصول.

<<  <  ج: ص:  >  >>