للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بطاعة الله، والاستقامة على امتثال أوامره، لأنهم كانوا قردة حين قال لهم: {كُونُوا قِرَدَةً خاسئينَ} [البقرة: ٦٥] وهذا لا يجوز حقيقة (١) ولا مجازاً، فكيف يصح أن يُحمل عليه كلام الله تعالى الذي هو أبلغ الكلام وأفصحه وأفضله.

وثالثها: أن تقدير " إلا " في هذه الآية دليلاً على الاستثناء وعلى انقطاعه معاً يقتضي إطلاق المشترك على معنييه معاً، أو إطلاق اللفظ على حقيقته ومجازه، وهو باطلٌ، فهذا باطل (٢).

بيان ذلك أن المشترك هو اللفظ المتناول لمعنيين فأكثر بوضعين مختلفين، فإطلاقه على معنييه معاً خلاف وضعه، حتى قال أبو هاشم: إنه محالٌ أن يُراد به معنياه معاً، والمسألة مبسوطة في أصول الفقه مشهورة، وإنما أردنا الإشارة إليها.

وأما الاحتمال الثاني، وهو اختصاصه لمن شاء الاستقامة، وهم المؤمنون، فلا يصح أيضاً، لأنهم إما أن يفسروا المشيئة باللطف أو يحملوها على ظاهرها.

وعلى الثاني فإما أن تكون المشيئة هي المقارنة للأمر المقتضي للطاعة، أو تكون مشيئةً خاصة بالمؤمنين، والثاني هو مذهب أهل السنة، -وهو أن يراد بها المقارنة للأمر- باطلٌ لما تقدم من ترتب الاستقامة عليها، وجعلها مؤثرة فيها، والمشيئة المقارنة للأمر غير مُؤثِّرةٍ في حصول الاستقامة.

وأما تفسيرُ المشيئة باللطف، فممنوع بعدم النقل الصحيح من اللغة في ذلك، ولا مُلجىء إلى التأويل كما تقدم. وعلى تقدير صحة المُلجىء للقاطع إلى ذلك، وصحة المطابقة لغةً ولو مجازاً، فذلك ركيكٌ جداً نازلٌ منزلة تحصيل الحاصل، وذلك لوجهين:

الوجه الأول: أن اللطف بالكافر والمسلم معاً واجب عندهم على الله عز


(١) في (ش): لا حقيقة.
(٢) " فهذا باطل " ساقط من (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>