للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك أنه سبحانه أجاب عليهم بقوله: {فَهَلْ على الرُّسُلِ إلاَّ البَلاغُ المُبينُ}، وصدَّر الجواب بالمبالغة في الاستنكار حيث استعار للاستنكار حرف الاستفهام، فإن الاستنكار لا يورد على صيغة الاستفهام إلاَّ في المعلومات التي لا يتجاسَرُ الخصم على العناد في إنكارها كما يعرف ذلك أدنى من له ذوقٌ.

ولذلك نظائرُ، منها: قوله تعالى: {هَلْ جزاءُ الإحسانِ إلاَّ الإحسانُ} [الرحمن: ٦٠]، وقوله: {وَهَلْ يُجازَى (١) إلاَّ الكَفورُ} [سبأ: ١٧].

وتقول لمن أساء إليك وأحسنت إليه: هل قدمت إليك ما يوجب الإساءة؟

وبيان ذلك من العقل: أن الله تعالى لمَّا نصَّ في كتبه الكرام، وعلى ألسنة رسله عليهم الصلاة والسلام أنه أراد ابتلاء الخلق وتمحيص المؤمنين، وتمييز الخبيث من الطيب بأنه حفَّ الجنة بالمكاره، وحفَّ النار بالشهوات (٢)، حتى ابتلى خليله عليه السلام بالأمر (٣) بذبح ولده، وقال: {إنَّ هذا لَهُوَ البَلاَءُ المُبينُ} [الصافات: ١٠٦]، وحتى أنكر ورود التكليف بغير هذه الصفة بعبارات كثيرة (٤) مختلفة متنوعة، يطولُ ذكرُها، وسيأتي منها طرفٌ صالح عند ذكر الكلام في المرتبة الثالثة في الدواعي قريباً.


(١) بضم الياء وفتح الزاي، ورفع الكفور على أنه نائب فاعل، وهي قراءة عامة القراء غير حمزة والكسائي، وحفص، فإنهم قرؤوا: {وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} بالنون، والكفور بالنصب على أنه مفعول به. انظر " حجة القراءات " ص ٥٨٧.
(٢) أخرجه من حديث أبي هريرة: أحمد ٢/ ٢٦٠ و٣٨٠، والبخاري (٦٤٨٧)، ومسلم (٢٨٢٣)، وأبو داود (٤٧٤٤)، والترمذي (٢٥٦٠)، والنسائي ٧/ ٣، وابن حبان (٧١٩)، والقضاعي (٥٦٧)، والبغوي في " شرح السنة " (٤١١٥).
وأخرجه من حديث أنس: أحمد ٣/ ١٥٣ و٢٥٤ و٢٨٤، والدارمي ٢/ ٣٣٩، ومسلم (٢٨٢٢)، والترمذي (٢٥٥٩)، وا بن حبان (٧١٦) و (٧١٨)، والقضاعي (٥٦٨)، والبغوي (٤١١٤).
(٣) ساقطة من (أ).
(٤) ساقطة من (أ).

<<  <  ج: ص:  >  >>