للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم عند ذكر حكمة الله تعالى في التكليف، وفي المتشابه، وفي تقدير الشرور في مسألة الأقدار من ذلك قولُه تعالى: {الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: ١ - ٣]، كان من رعونة المشركين، وقلة تمييزهم المجادلة بما علموا أن الأنبياء جاؤوا به، وجَهِلَتْه (١) المعتزلة من نفوذ مشيئة الله من غير مَثْنَوِيَّةٍ (٢)، ولولا علموا ذلك ضرورة من دين الأنبياء ما احتجوا به، ولو جوَّز المشركون أنه يوجد من يقول: إن الله لا يقدر على هداية عاصٍ، لعدلوا عن هذه الشبهة إلى قولهم: لو شاء الله ما خلقنا أو ما كَلَّفنا، فإنهم قوم خَصِمُون كما وصفهم الله تعالى، وهم أحذق من أن يحتجوا على الأنبياء بما لا يلتزمونه، وهم أهل اللسان العربي والفهم لدقائقه، والقرآن الكريم نزل على لُغتهم، و" لو" في لغتهم موضوعة لامتناع الشيء لامتناع غيره، فمعنى كلامهم أن إيمانهم امتنع لامتناع مشيئة الله، فلو كانت مشيئة (٣) حاصلة من الله عند الأنبياء ما نَطَقَ بها (٤) فرسان البلاغة، كما لا يحسن أن يقولوا: لو أمرنا الله ما أشركنا، ولا: لو أرسل الله إلينا ما أشركنا، وإنما يوردون ما هو ممتنع، مثل ما أوردوا مثل ذلك في إنزال الملائكة، قال الله تعالى: {إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [فصلت: ١٤].

وأما قول من قال منهم: إن الله أمرهم بالفحشاء، فإنهم لم يريدوا أمر بها على يدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، لأنهم غير مصدقين له فيما جاء به، وإنما ادَّعَوْا ذلك فيما


(١) في (ش): وجهلة.
(٢) أي: من غير استثناء، يقال: حلف فلان يميناً ليس فيها ثُنْيا ولا ثَنْوَى، ولا ثَنِيَّة ولا مثنوِيَّة ولا استثناء، كُلُّه واحد، وأصل هذا كله من الثني والكفِّ والرد، لأن الحالف إذا قال: والله لا أفعل كذا وكذا إلاَّ أن يشاء الله غيره، فقد ردَّ ما قاله بمشيئة الله غيره.
(٣) مشيئته.
(٤) في (أ) بهذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>