للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

توارثوه عن آبائهم عن الشرائعِ المتقدمة التي يمكن الكاذبُ الكذب عليها.

والعجبُ أنهم مع طول مخالطتهم للأنبياء ومجادلتهم، لم يعرفوا ما عرفته المعتزلة من أن عقيدة الأنبياء أن الله أراد ما علم أنه لا يكون، ولا فهموا ما فهمته المعتزلة من لغتهم أن الأمر لازمٌ للإرادة، فلو كان لغتهم تقتضي (١) ذلك، لم يُطيلوا اللجاج بمثل هذا الإلزام الذي يعلمون ظهور فساده.

وأعجب من هذا أن هذا السؤال تكرَّر منهم، وذكره الله في كتابه الكريم مكرراً، فما أجاب عليهم في آيةٍ واحدة بالجواب الحقِّ على قول المعتزلة، فيقول مثلاً: وقد شاء الله أن يؤمنوا، وأراد ذلك كما أجاب على من افترى، وقد زعم أن الله أمر بالفحشاء، فقال تعالى: {إنَّ الله لا يأمُرُ بالفَحْشَاءِ} [الأعراف: ٢٨]، بل عَدَلَ عن هذا بالمرة، وأعاد شبهتهم بنفسها مقرِّراً لكونهم نطقوا (٢) بالحق متوصِّلين به إلى الباطل على نحو قوله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: ١]، وذلك ظاهر في الآية الثانية، وهي قوله تعالى: {سَيَقُولُ الذين أشركُوا لو شاءَ اللهُ ما أَشْركنا ولا آباؤُنا} إلى قوله: {كَذلك كَذَّبَ الَّذين مِنْ قَبْلِهِمْ ... قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام: ١٤٨ - ١٤٩] بمنزلة قوله {والله يعلمُ إنك لرسولُه}، إذ كل منهما تقريرٌ لصحة ما نطق به الخصم، وقوله: {قُلْ فَلله الحُجَّةُ البالغة} [الأنعام: ١٤٩] كقوله: {والله يَشْهَدُ إنَّ المُنافقينَ لكاذِبونَ} [المنافقون: ١]، إذ كل منهما مُناقضةٌ لمقصود الخصم، ودلالة على أن ما نطق به من الحق غير مستلزم ما قصد من الباطل والتمويه، بل ظاهر آية المنافقين بين الحاجة (٣) إلى التأويل


(١) ساقطة من (أ).
(٢) تحرفت في الأصل إلى: يطلقوا.
(٣) في (ش): الحجة.

<<  <  ج: ص:  >  >>