للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد جمع الله تعالى مذهب أهل السنة في بعض الآيات الكريمة، كقوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (٢٩) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (٣٠) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الإنسان: ٢٩ - ٣١].

فقوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} يقتضي تمكينهم بالنظر إلى القدرة والبيان وكمال الحجة.

وقوله: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} إثباتٌ لتوقف مشيئة العباد على سبق مشيئة الله تعالى، وهذا لا تناقض فيه، كما أن المعتزلة توقف أفعال العباد على ما سبق في (١) علم الله، ولا يلزم الجبر من شيءٍ من ذلك.

وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} إثباتٌ لتعليل أفعال الله تعالى بالحكم والغايات الحميدة وإن لم تدرك العقول شيئاً من ذلك ألبتة، كيف، وقد بيَّن الله تعالى منه الكثير الطيب كما نذكره في مسألة الأقدار.

وقوله: {يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} إشارة إلى تعيين بعض ما منَّ علينا بتعريفه من حكمته في ذلك، فله الحمد حمداً كثيراً، وذلك أنه إنما عامل عباده في الهداية والإضلال على حسب علمه بما يستحقونه من ذلك من غير عجز منه عزَّ وجلَّ عن هداية ضال ولا إضلال (٢) مهتدٍ، وهي كقوله سبحانه وتعالى في إبراهيم عليه السلام: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} [الأنبياء: ٥١]، وفي ضدِّه من أعدائه: {وأضَلَّه الله على عِلْمٍ} [الجاثية: ٢٣]، ويجمع معناهما مثل قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: ١٢٥]، وقوله في


(١) من قوله: " مشيئة الله تعالى " إلى هنا ساقط من (أ)، و (ف).
(٢) قوله: " ولا إضلال " ساقط من (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>