للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحكاية عن موسى عليه السلام: {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} [طه: ٥٢].

وقد ظهر بهذا أن المعتزلة أرادت أن تحتجَّ بهاتين الآيتين على أهل السنة، فانقلبت الحجة عليهم، وظهر أنه ليس فيهما ما يُتأول عند أهل السنة، وإنما (١) يجب على أصول المعتزلة تأويل كل واحدة منهما، لأن في إحداهما {فلَوْ شَاءَ لَهَداكُم أجْمَعينَ} [الأنعام: ١٤٩] وفي الأخرى: {فإنَّ الله لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} [النحل: ٣٧].

وأما الآية الثالثة، وهي قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (١٥) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (١٦) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (١٧) أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (١٨) وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (١٩) وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [الزخرف: ١٥ - ٢٠].

فهذه الآية الكريمة مثل الآيتين المتقدمتين. والجواب فيهما واحد وإنما سُقْتُ الآيات من أولها ليتدبرها المحب للحق الطالب للبصيرة، فإن المعتزلة تورد آخرها مقطوعاً من أولها لما في ذلك من تعمية الجواب عليهم، فإنهم احتجوا بقوله تعالى في هذه الآية. {مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}، وأوهموا أنه يرجع إلى قولهم: {لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} وحَسِبوا أن هذا يمضي على أهل السنة، وكيف يمضي عليهم وهم أحفط الناس لكتاب الله وأعرفهم به؟ وهل يلزم رجوع التكذيب إلى ما ذكروه من نفوذ مشيئة الله الذي لم يزل سبحانه يتمدح به، والذي عُلِمَ صحته ضرورةً (٢) من الدين؟


(١) في (ش): فإنه.
(٢) في (ش): ضرورة صحته.

<<  <  ج: ص:  >  >>