للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهل يجب صرف التكذيب إلى ذلك، ويحرم صرفه إلى ما سيقت الآيات من أولها في رده على المشركين من جعلهم الملائكة بنات الله، تعالى الله عما يقولون عُلُوّاً كبيراً.

وأيُّ منصفٍ يمنع رد التكذيب إلى ذلك، ويقطع على أن الله ما أراده، وهو الأولى برد التكذيب إليه لوجوه:

منها: أن كونه كذباً وكفراً وجهلاً فاحشاً معلومٌ بالضرورة من الدين، وبالضرورة من العقل، وبالضرورة من إجماع المسلمين.

ومنها: أن سياق الآيات من أولها يقتضي شدة العناية في تضليلهم في ذلك، وتبكيتهم والتنويه (١) بتجهيلهم وتقريعهم حيث جعلوا لله ولداً، وهو يَعِزُّ ويَجِلُّ عن ذلك، وقد عظَّم ذلك في غير آية كقوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (٨٩) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (٩١) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (٩٢) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: ٨٨ - ٩٣].

ثم ما قنعوا أن يجعلوه ولداً حتى جعلوهم أولاداً كثيرين غير مُنْحَصرين، ثم ما قنعوا حتى جعلوهُنَّ إناثاً، وهُنَّ أبغض الأولاد وأجهلهم وأضعفهم، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف: ١٨]، وقوله: {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (١٥٣) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [الصافات: ١٥٣ - ١٥٤].

ثم ما قنعوا بذلك حتى آثروا عبادتهن على عبادةِ الله تعالى، فكيف يمنع ويحرم رجوع تكذيبهم إلى هذا الكفر، والكذب الفاحش، ويوجب رجوع تكذيبهم إلى القول بنفوذ مشيئة الله وإرادته الذي هو ترجمة عن كمال قدرته


(١) في (ش): وثبوته، وهو خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>