للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الربوبية، وتقديسها عن كل عيبٍ ونقص وظُلم، فمن أنكر أحدها، قامت عليه البراهينُ، ومن اعترف بهما، فقد اعترف بأن الله حكيم نافذ المشيئة، غنيٌّ كريم لا يجوز عليه الظلم ولا العبث، فلا يصح منه أن يُنازع ربه سبحانه وتعالى في حكمةٍ خفية لوجهين:

أحدهما: أن علمه الجُملي بحكمته كافٍ.

وثانيهما: أن علمه بكمالِ ربه سبحانه في أسمائه الحسنى ها هنا ونقص العبد في كل معنى، وكثرة جهالاته، وخُبثِ كثيرٍ من طبائعه، وغَلَبَتِها عليه يكفيه وازعاً عن سنة الشيطان -لعنَه الله- حين نازع ربه سبحانه في سجوده لآدم، وهي سنة السفهاء الذين قالوا: {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} [البقرة: ١٤٢].

ولو كان العقل والشرع يوجبان إزاحة كُلِّ عذرٍ باطلٍ، لوجب إزاحة كل عذر لهم من قولهم: {أبْصَرْنا وسَمِعْنَا فارجِعْنا نعملْ صالحاً} [السجدة: ١٢]، واقتراحهم على الرسول أن يكون ملكاً، وأن يفجر الأنهار (١) لهم تفجيراً، وأن يأتيهم بآبائهم بعد موتهم، واعتذارهم بعدم رؤيتهم لربِّهم عزَّ وجلَّ وغير ذلك.

وإذ قد قامت الحجة على ثبوت الرب وعدله، وحكمته فلا يجب إزاحة شيءٍ بعد ذلك من لَجاجِهم بالأعذار الباطلة، وما أزاحه الله من سائر الأمور فعلى سبيل التفضل كشهادة الجوارح يوم القيامة، ولا تدل على وجوب إزاحة سائرِ الأعذار الباطلة، والله سبحانه أعلم.

وأما التفصيلي: فنقول: إما أن يُريد السائل أن يَسْلُبَ الله المكلفين الدواعي والصوارف كلها، سواءٌ كانت إلى الخير أو إلى الشر، ولا يزيد على تمكينهم بالقدرة، أو يريد أن يخلق دواعي الخير وحدها لجميع الخلق من غير


(١) في (ش): الأرض.

<<  <  ج: ص:  >  >>