الباطل من بين يديه ولا من خلفه هو كلامُ الله الحكيم، وكلامُ من شهد بعصمتِهِ القرآن الكريم؛ وكُلُّ كلام بعدَ ذلك، فله خطأ وصواب، وقِشر ولُباب. ولو أن العلماء رضي الله عنهم تركوا الذبَّ عن الحق خوفاً من كلام الخلق، لكانوا قد أضاعوا كثيراً، وخافوا حقيراً، وأكثر ما يخافُ الخائفُ في ذلك أن يَكِلَّ حسامُهُ في معْتَرَكِ المناظرة، وينبو ويعثر جوادُهُ في مجال المحاجة ويكبو، فالأمر في ذلك قريب إن أخطأ فمن الذي عُصِمَ؟ وإن خُطِّىء فمن الذي ما وُصِمَ؟ والقاصد لوجه الله تعالى لا يخافُ أن يُنقد عليه خللٌ في كلامه، ولا يهابُ أن يُدل على بطلان قوله، بل يُحِبُّ الحقَّ من حيث أتاه، ويقبل الهُدى ممن أهداه، بل المخاشنةُ بالحق والنصيحة أحبُّ إليه من المداهنة على الأقوال القبيحة، وصديقك مَنْ صَدَقَكَ لا من صدَّقك. وفي نوابغ الحكمة: عليك بمن ينذر الإبسال والإبلاس، واياك ومن يقولُ: لا بَاسَ وَلا تَاس.
ثم إن الجواب لما تم -بحمد الله تعالى- اشتمل على علوم كثيرة، وفوائد غزيرة أثرية ونظرية، ودقيقة وجلية، وجدلية وأدبية، وكلُّها رياض للعارفين نضِرة، وفراديسُ عند المحققين مُزْهِرَة، لكني وضعته وأنا قوي النشاط، متوفر الداعية، ثائر الغَيرة، فاستكثرتُ من الاحتجاج رغبةً في
قطع اللجاج، فربما كانت المسألة في كتب العلماء رضي الله عنهم مذكورة غيرَ محتج عليها بأكثر من حجة واحدة، فأحتج عليها بعشر حُجج؛ وتارة بعشرينَ حُجة، وتارة بثلاثين حُجة، وكذلك قد يتعنَّت صاحبُ الرسالة، ويُظهِرُ العُجْبَ مما قاله فأحبُّ أن يظهر به ضعفُ اختياره، وعظيم اغتراره، فاستكثر من إيراد الإشكالات عليه حتى يتضِحَ له خروج الحق من يديه، فربما أوردتُ عليه في بعض المسائل أكثر من