للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنه لا يترجَّح إلاَّ بالشهوات والأهواء، ويستحيل وقوعه من الله من غير مرجِّحٍ بالنظر إلى الحكمة، فوجب القول بأن عذاب الكفار المقطوع بوقوعه راجحٌ لحكمةٍ غير الذنوب، وهو قول البغدادية كالمرجِّح لآلام الأطفال والبهائم سواء، لكن الرب سبحانه وتعالى أحبَّ أن يضُمَّ إلى تلك الحكمة وقوع العذاب الراجح في نفسه قبل الذنوب بسبب الذنوب على جهة العقوبة عليها، لما في ذلك من صلاح المؤمنين، ومن الغايات الحميدة المجهولة مع ما ذكرته أو علم أن ذلك لا يحسن أو لا يكون أحسن إلاَّ بذلك.

ونظير ذلك إخراجُ آدم من الجنة، فإنه راجحٌ من غير ذنب، لأنه خلق في علم الله خليفةً في الأرض كما نصَّ عليه القرآن، ثم جعل الله ذلك الخروج من الجنة مقدَّراً بسبب الذنب، وعقوبةً عليه لمصالح استأثر الله بعلمها، منها (١): المنُّ على آدم بالتوية وجعله أُسوةً لأولاده، وغير ذلك من امتحان الملائكة وسؤالهم وجوابهم وحكايته في الكتاب، وانتفاع أهل الإيمان بذلك.

ولهذا جاء الحديث الصحيح بأن الرسل والكتب قطعُ عُذْرٍ لا قطع حجة (٢)، والله سبحانه أعلم.

وقد تقدم في الإرادة مجوّداً مبسوطاً فليراجع، وفي الكلام على الأطفال، وإقامة الحجة عليهم ما يُقوِّي ذلك كما سيأتي.

فإن قيل: لو كان الخير هو مقصود الرب الأول مع أنه تعالى على كل شيءٍ قدير، وبكل شيءٍ عليم، وجب أن يكون هو الغالب، ويكون الشرُّ هو النادر، وقد قال الله تعالى: {وقليلٌ مِنْ عِباديَ الشكورُ} [سبأ: ١٣]، وجاء في الحديث: " أن السَّالِمَ يوم القيامة واحدٌ من ألفٍ " (٣).


(١) في (ش): مثل.
(٢) تقدم تخريجه من حديث المغيرة بن شعبة وعبد الله بن مسعود في ٥/ ٥٨.
(٣) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>