سبحانه لا يفعل إلاَّ بالداعي الراجح قطعاً كما يأتي في مسألة الأطفال.
وإن كان الداعي الموجب غير مُسقطٍ للتحسين والتقبيح واللوم، لم يَرِدِ السؤال، وهذه قسمةٌ دائرة معلومة الصحة، وهو جوابٌ صحيح.
الثاني: وعوَّل الفخر الرازي في وجوب أفعال الله سبحانه مع بقاء الاختيار، ذكره في مسألة الإرادة، وجعل وجوبها بالإرادة لا بالدواعي، لأنه لا يقول بها في حق الله تعالى، ولا محيص له عنها.
الوجه الثالث: أن السمع قد دلَّ دلالةً قاطعة، بل ضرورية على أن الله تعالى أقام الحجة على خلقه، ورجَّح لهم الطاعة على العصيان، وأيُّ ترجيحٍ أبلغ مما وعد به على طاعته من عظيم ثوابه، وتوعَّد به على عصيانه من أليم عقابه، والعلم بصحة السمع لا يتوقَّف على كون الداعي مُسقطاً للذَّمِّ والعقاب، مُبطلاً للتحسين والتقبيح، فيصح الاحتجاج بالسمع على أنه غير مبطلٍ لذلك، والعلم الضروري بورود السمع بذلك حاصلٌ جُملةً وتفصيلاً.
أما الجملة: فوروده بالذم والمدح، والأمر بالنهي، وكفى في هذا المقام بقوله عز وجل: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [القيامة: ١٤ - ١٥].
وأما التفصيلُ، فدلالتُه على أنه كُلِّف باليسير، وأُمِرَ بالتيسير، والعلم الضروري حاصلٌ بذلك أيضاً، ولكن نتبركُ بذكر شيءٍ من النصوص على ذلك.
قال الله تعالى:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}[الروم: ٣٠].
وقال:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة: ٢٨٦]، وفي آية {إلاَّ ما آتاها}[الطلاق: ٧].