للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ} [القلم: ٤٦] وكرَّرها في غير سورةٍ بالتأكيد لهذا المعنى.

بل صرَّح القرآن الكريم بأنه سبحانه سمح من الممكنات ما يشُقُّ كقوله: {ما جَعَلَ عليكُم في الدِّين مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] وقوله: {يُريدُ الله بِكُمُ اليُسْرَ ولا يُريدُ بكُمُ العُسْرَ} [البقرة: ١٨٥]، وقوله: {الله لَطيفٌ بعبادِه} [الشورى: ١٩].

وقد ذكرت جملةً شافيةً مما ورد في هذا المعنى من السنة النبوية والآثارِ الصحابية في تأليفٍ مفردٍ، ولله الحمد.

وسمع تلك الأخبار والآثار جميعُ العقلاء والنُّظَّار من المسلمين والكفار في خير الأعصار، فلم يعترضوها، ولا اعترضوا ما وافقها من السنن المستفيضة، مثل حديث أبي هريرة الصحيح المرفوع في خلق الخلق على الفطرة حُنفاء، " وأنَّ كل مولودٍ يُولَدُ على الفِطْرةِ، وإنما أبواه يُهوِّدانه ويُنَصِّرانه ويُمَجِّسانه " (١).

بل القرآن الكريم ناطقٌ بذلك، قال تعالى: {فِطْرَةَ الله الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله} [الروم: ٣٠].

وسمع العقلاء هذه الآية الكريمة فما أنكرتها عقولهم، ولا ادَّعوا فيها أنها من المتشابه. ثمَّ ما جاء من وصف هذه الشريعة بأنها الحنيفية السهلة السمحة (٢)، ومطابقة هذه النصوص لِفِطَر العقول كلها غير من مَرِضَ قلبه بداء الكلام، وخاض فيما يستحيل دَرْكُه بالأفهام، وعارض الفِطَرَ العقلية والنصوص الشرعية الجليَّة الضرورية بمجرد الافتراء على المعقول أنه يجزم (٣) حيث تساوي


(١) تقدم تخريجه في ٣/ ٣٨٧.
(٢) تقدم تخريجه في ١/ ١٧٥.
(٣) في (ش): أنها تجزم.

<<  <  ج: ص:  >  >>