للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدواعي على استحالة ترجيح القادر لأحد مقدوريه بالاختيار، وهذه الدقيقة هي التي أعيت أذكياء النُّظار، كما يأتي في كلام الفرقة الرابعة من أهل المرتبة الخامسة.

وما أحسن قول الرازي في وصيته (١) في مثل ذلك: وأما ما انتهى الأمر فيه (٢) إلى الدقة والغموض، فعلى ما ورد في القرآن والأخبار الصحيحة المتفق عليها، إلى آخر ما ذكره.

وذكر ابن عبد السلام في " قواعده ": إن البصيرة مثل البصر وإن ما خَفِيَ فيها لم يَزِدِ النظرُ فيه إلاَّ حيرةً، كما أن ما خَفِيَ على البصر لم يزد التحديقُ إليه إلا كلالاً، على أن أدنى تأمُّل يَهْجُمُ باليقين في ذلك على المنصف، فإن الداعي إلى طاعة الله أرجح في العقل الذي إليه الترجيح عند التعارض من الدواعي إلى العصيان، وكذلك الصوارف.

فلا أعظم داعياً إلى الطاعة من طيب العَيْشِ في الدَّارَيْن، وقرة العين بالرضا بالقضاء، والخلود في الجنة، وحلول رضوان الله، والإيمانِ من سخط الله ومن جميع المكاره، وقد رأينا حرص الحيوان على هذه الحياة العاجلة المكدرة كما قيل:

فما رَضِيَتْ بالموتِ كُدُرٌ مَسِيرُها ... إلى الماء خمسٌ ثم يَشْرَبْنَ مِنْ أجْنِ (٣)


(١) تقدمت في ٤/ ١٣١.
(٢) في (ش): إليه.
(٣) البيت لأبي العلاء المعري من قصيدة في " سقط الزند " ص ١٣ - ١٨ يرثي بها أباه، مطلعها:
نقمت الرضا حتى على ضاحِكِ المُزْنِ ... فلا جادني إلاَّ عبوسٌ من الدجنِ
وقبل البيت المستشهد به:
وجدنا أذى الدُّنيا لذيذاً كأنَّما ... جَنى النَّحل أصنافُ الشقاء الذي نجني =

<<  <  ج: ص:  >  >>