للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما بمنزلة الأساس، والآخر بمنزلة البناء، فمن رام الفصل بينهما، فقد رام هَدْمَ البناء ونقضه. انتهى كلامه.

وتلخيصه: أن العلم سبق باختيار العباد لأفعالهم، وقدَّر الله وقضى أن يكونوا مختارين، وأراد بذلك ويَسَّرَه لهم، فلو أبطلنا اختيارهم، أبطلنا العلم والقدر والقضاء، وجعلناها غير مطابقة، وهي الأساس، ولو أبطلناها أبطلنا صفات الربوبية الواجبة، فيلزم إثبات الأمرين. والله أعلم.

وفي " الصحيحين "، و" موطأ مالك "، و" سنن أبي داود "، و" سنن النسائي " من حديث ابن عباس، وذكر الطاعون أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام حتي إذا كان بسَرْغَ (١) لقيَهُ أُمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أن الوباء قد وقع بالشام .. ، وساق الحديث إلى قوله: فنادى عمرُ في الناس: إني مُصبحٌ (٢) على ظَهْرٍ (٣)، فأصْبِحُوا عليه، فقال أبو عبيدة بن الجراح: أفِراراً من قَدَرِ الله؟ فقال عمر: لو غيرُك قالها يا أبا عبيدة -وكان يكرهُ خلافه- نعم نَفِرُّ من قَدَرِ الله إلى قَدَرِ الله، أرأيت لو كانت لك إبلٌ فهبطت بها وادياً له عُدوتان، إحداهما خَصِبَةٌ (٤)، والأخرى جَدِبَةٌ، أليس إن رعيت الخَصِبَة (٥) رعيتها بقدر الله، وإن رعيتَ الجدبة رعيتها بقدر الله. انتهى (٦).

وفيه إجماعهم على صحة القدر، وعلى أنه لا يستلزم الجبر، لأنه لم ينكر ذلك مُنكرٌ، وهم في أكثر ما كانوا جمعاً.

وقال ابن الأثير في " النهاية " (٧): هو عبارة عما قضاه الله وحكم به من


(١) هي قرية في طرف الشام مما يلي الحجاز.
(٢) تحرفت في الأصلين إلى: " أن يصبح "، والتصويب من مصادر التخريج.
(٣) أي: إني مسافر في الصباح راكباً على ظهر الراحلة راجعاً إلى المدينة.
(٤) في (ش): مُخصبة.
(٥) في (ش): المخصبة.
(٦) تقدم تخريجه ص ٣٥٦.
(٧) ٤/ ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>