للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسببه أن اجتماع الوجوب والإمكان في القدر لا يمكن جَحْدُه، ومن جحده، عطَّل (١) العقل والنقل، وبقي أن يُقال: فكيف ثبت اجتماع الوجوب والإمكان بالضرورة، وهل هذا إلاَّ بمنزلة ثبوت المحال بالضرورة.

والجواب: أن ذلك لا يكون (٢) مُحالاً باعتبار الجهتين، ولو كان مُحالاً، ما جمعه الله تعالى، وقد جمعه سبحانه كثيراً، فما استنكر ذلك أحدٌ لا من المؤمنين ولا من غيرهم، قال الله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (٢٩) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: ٢٩ - ٣٠]، {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: ٢٨ - ٢٩].

وقد تقدَّم بطلان تأويلها بالإكراه في آخر مسألة الإرادة وهو كقولِ المعتزلة: إن صدور القبيح مُمتنعٌ من الله تعالى، مؤدٍ إلى المُحال، مقطوعٌ بامتناعه وجوباً مع بقاء الاختيار والإمكان بالنظر إلى القدرة والمقدور.

والتحقيقُ في ذلك كله: أن الإحالة إنما تكون في صدق النقيضين معاً، وذلك لا يلزم إلاَّ حيث يتَّحِدُ المَنْفي والمُثبت من جميع الوجوه، فتكون الذات المسند إليها ثبوت الوجوب اللازم لنفي الإمكان، وثبوتُ الإمكان اللازم لنفي الوجوب واحدةً، والجهة التي أُسند (٣) إليها الوجوب والإمكان واحدة.

وكذلك الزمان والمكان، والحقيقة والإضافة، والبعض والكل، والقوة، والفعل، والشرط، والعموم والخصوص، فإذا قلت: زيدٌ كاتب، زيدٌ ليس بكاتب، لم يصح القطع بكذب أحدهما متى جاز أن يختلفا بالذات، فيكون زيدٌ الموصوف بأنه كاتب غير زيدٍ الموصوف بأنه غير كاتب، أو يختلفا في جهة الوصف بالكُلية (٤)، وإن كان زيد واحداً فيكون كاتباً بالقوة، كما يقال: الخمر


(١) في (ش): لزمه تعطيل.
(٢) في (ش): لم يكن.
(٣) في (ش): استند.
(٤) في (ش): بالكناية.

<<  <  ج: ص:  >  >>