مسكر قبل شُربه بالقوة، غير كاتبٍ بالفعل، كما يقال: الخمر غير مُسكرٍ قبل شربه بالفعل.
وكذلك قولنا: زيدٌ أبٌ غير أب قد يصدُقُ كله، أي: أبٌ بالإضافة إلى أولاده، غير أبٍ بالإضافة إلى غير أولاده.
وكذلك الزِّنجي أسود بالإضافة إلى أكثره، غير أسود بالإضافة إلى جميعه، ففيه أسنانه بيض.
وكذلك زيدٌ عالم بالنظر إلى علوم العقل الضرورية، ومن هنا خُوطب الكفار بنحو قوله:{لعلَّكم تعقِلون}، {وأنتم تعلمون} ليس بعالم بالنظر إلى خصوص كثيرٍ من العلوم، ولذلك خُوطِبَ الخلق كلهم بنحو قوله تعالى:{والله يَعْلَمُ وأنْتُمْ لا تَعْلَمونَ}[البقرة: ٢١٦]. وتبين تخصيص هذا العموم بنحو قوله عز وجل:{وَمَا أُوتيتم من العِلْمِ إلاَّ قليلاً}[الإسراء: ٨٥]، وقوله تعالى:{لا عِلْمَ لَنا إلاَّ ما عَلَّمْتَنا}[البقرة: ٣٢].
وبالجملة فالجمع بين النقائض شهيرٌ بين العامة والخاصة على هذا الاعتبار، ولذلك لم يلتبس عليهم ما جاء من ذلك في القرآن الكريم من نحو قوله تعالى:{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ}[الحديد: ٣].
وقد جاء ذلك مُستفيضاً في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولو لم يكن فيه إلاَّ ما في الأسماء الحسنى من نحو: المُعِزِّ المُذِلِّ، الضارِّ النافع، المقدِّم المؤخِّر، المُحْيي المُميت، المبدي المُعيد، الباسط القابض.
فإذا عرفت هذا، فاعلم أن الإمكان والوجوب في أفعال العباد مختلفان في الذات والجهة معاً.
أمَّا الوجوب، فإنه من صفات القدر السابق، والإمكان من صفات المقدور الحادث المتأخِّر الممكن في ذاته.