وما لم يشأ لم يكن، ولا نملك لأنفسنا نفعاً ولا ضراً، ثم رَغِبُوا بعد ذلك ورَهِبُوا.
القسم الثاني: ما يدل على وجوب الإيمان بالقدر وذمِّ منكره.
الحديث الأول: عن يحيى بن يَعْمَرَ، قال: كان أول من قال بالقدر بالبصرة: معبدٌ الجُهَني، فانطلقت أنا وعُبيد بن عبد الرحمن الحِميري حاجَّيْن أو ومُعتَمِرَيْن، فقلنا: لو لقينا أحداً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر، فوُفِّق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب، فاكتنفتُه أنا وصاحبي، فقلت: أبا عبد الرحمن، إنه قد ظهر قبلنا ناسٌ يقرؤون القرآن ويتقفَّرون العلم، وذكر من شأنهم، وأنهم يزعمون أن لا قدر، وأن الأمر أُنُفٌ، فقال: إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني منهم بريءٌ، وأنهم بُرَآءُ مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً، فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر، قال: حدثني أبي عمر بن الخطاب قال: بينما نحنُ عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يومٍ، إذ طلع علينا رجلٌ شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرَى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحدٌ حتى جلس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام؟ قال:" أن تشهد أن لا إله إلاَّ الله، وأن محمداً رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحُجَّ البيت إن استطعت إليه سبيلاً " قال: صدقت، فعجبنا له يسأله ويُصدِّقُه، قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال:" أن تؤمن بالله وملائكته وكُتُبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره " الحديث.
أخرجه مسلم في " الصحيح " وهذا لفظه، والترمذي، وأبو داود، والنسائي (١).
(١) مسلم (٨)، والترمذي (٢٦١٠)، وأبو داود (٤٦٩٥)، والنسائي ٨/ ٩٧، وصححه ابن حبان (١٦٨) وانظر تمام تخريجه فيه.