وقد تجنَّبتُ سياقة كثيرٍ من المتون بألفاظها، وذكر الأسانيد، وتقصِّي الكلام على الرجال والعلل لوجهين:
أحدهما: خوف الإملال.
وثانيهما: الاستغناء بالتواتر، فإن الكلام على الأسانيد تصحيحاً وتضعيفاً وتعليلاً لا يحتاج إليه مع التواتر ولذلك جمعت فيما نقلت أحاديث الثقات والمجاريح كما هو عادة الحفَّاظ إذا نقلوا المتواترات، وإنما نبهت على الثقة من غيره بذكر من في كل سند ممن فيه كلام أو خلاف أو جهالة أو جرح مبهم أو مبين أو غير ذلك، وإن كان لا يُحتاج إلى ذلك في المتواترات اقتداءً بأئمة السنة في الإنصاف، وترك العصبية، والمبالغة في تعليم التحري في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتنبيهاً على هذه الفضيلة التي اختصَّ بها أئمة السنة، وهي بيان ضعف الضعيف وإن وافق ما هو الصحيح عندهم، وهذه الأحاديث تدل على أحكام:
الحكم الأول: أن القدر حقٌّ في نفسه، ودلالتها على هذا القدر ضرورية مع ما تقدمها من الآيات القرآنية والبراهين العقلية.
وقد تقدم في الفائدة الثانية أن القول بالقدر لا يوجب نفي الاختيار في أفعالنا، كما لا يوجب ذلك في أفعال الله تعالى.
الحكم الثاني: أن الإيمان بالقدر واجب، ولا شك أن الوجوب مَدْرَكٌ سمعي، وأن الحديث الواحد الصحيح، أو الحسن ينتهض دليلاً على الوجوب، فكيف بما تقدم؟ فإنه يفيد العلم بوجوبه، فقد مر في القسم الثاني سبعون حديثاً كلها تدل على وجوب الإيمان به مع ما انضم إليها من إجماع السلف الصالح على تلقيها بالقبول، وتقدم الإنكارُ على أحدٍ من رواتها ثقاتهم وضعفائهم، ومثل هذا لو حصل في خبرٍ واحد لوجب أن يكون حجةً بالإجماع، وإنما اختلفوا