وهذا يدل على أنهم نُفاة القدر عن الله تعالى، وسيأتي قول القاضي عياض عن النواوي أنهم نفاة علم الغيب، لأن الأدلة: عقلاً ونقلاً، قرآناً وسنة دلَّت على ثبوت القدر، ودلت النصوص الصحاح على وجوب الإيمان به، فامتنع أن يكون الإجماع قد انعقد على ذمِّ من آمن بما يجب الإيمان به، وأثبت ما دلت الأدلة على ثبوته، وليس في هذا من الإشكال إلاَّ أمران:
أحدهما: أن يتوهم أن القدر هو الجبر ونفي الاختيار وهذا باطل قطعاً باتفاق المعتزلة، وأهل السنة، والأشعرية بل بالأدلة القاطعة الواضحة لمن قال به من المعقول والمنقول من القرآن أو السنة وتواتراً ضرورياً كما مرَّ بعض ذلك، ويأتي تمامه إن شاء الله تعالى.
وثانيهما: أن يقال: كيف يصح ذلك باشتقاقِ النسب وأسماء الفاعلين أنها تكونُ من الإثبات ومن النفي كالموحد والمشبه ونحو ذلك.
والجواب من وجوه:
الوجه الأول: أن هذا بحثٌ لغوي، والمرجع فيه إلى أئمة العربية، ولم ينُصُّوا على أن النسبة لا تصح إلى النفي لو قدرنا ما لم يعلم من نصِّ بعضهم على ذلك فلا تقوم حجةٌ إلاَّ بإجماعهم، أو نص من يُوثَقُ به منهم من غير معارضة ممن هو مثله أو أرجح منه، وكِلا الأمرين غير واقع، وإنما المشهور بينهم في شرط النسبة وقوع الملابسة بين المنسوب والمنسوب إليه كما هو شرط الإضافة.
قال الزمخشري في تفسير قوله تعالى:{فَأَنساهُ الشَّيطَانُ ذِكرَ رَبِّهِ}[يوسف: ٤٢]: إن الإضافة تكون بأدنى ملابسة (١). انتهى.