للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجعلا القدر مقابلاً للجبر وضده، وذلك في كلام السلف كثير إذا تُتُبِّعَ، واللغة تَثْبُتُ بأقلَّ من ذلك.

وأما الجوابُ عما أورده المرتضى في حكايته، فهو ما تقدم في الفائدة الثانية من أن إثبات القدر لا يستلزم نفي القدرة، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام: ١٤٩] وقد مرَّ تقريره في ردِّ شبه المعتزلة في آخر مسألة الإرادة.

ومن أخصر ما يعارضون به أنهم يَصِفون الرب سبحانه بالقدرة على الكذب وجميع القبائح، ويمنعون من تجويز وقوع ذلك منه، ويوجبون استحقاقه المدح على تركها، فدل على صحة القدرة على الممتنع وصحة الثناء والذم عليها.

وإنما معنى القدر القطع بوقوع أحد المقدورين بدليل أنه جارٍ في أفعاله تعالى لقوله: {كانَ على رَبِّكَ حَتْماً مَقضياً} [مريم: ٧١]، بل شرط القدر أن يكون في المقدورات دون المحالات، فلا يقال: إن الله قد قدر على الجماد المعدوم ترك المعاصي.


= يحول عنه منهما، وهو ساكت، فقال:
يا ناظراً في الدين ما الأمر ... لا قَدَرٌ صحَّ ولا جَبرُ
ما صحَّ عندي من جميع الذي ... تذكره إلاَّ الموت والقبرُ
فامتعضنا من قوله، وأطلنا توبيخه، وأعلمناه أنا نتخوف صحبته، فقال: ويلكم والله إني لأعلم بما تقولون، ولكن المجون يفرط علي، وأرجو أن أتوب ويرحمني الله، ثم قال:
أية نارٍ قَدَحَ القادحُ ... وأيَّ جِدٍّ بَلَغ المازحُ
لله درُّ الشيب من واعظٍ ... وناصحٍ لو حَذِرَ الناصحُ
يأبى الفتى إلاَّ اتباع الهوى ... ومنهجُ الحق له واضحُ
فاعمد بعينيك إلى نسوةٍ ... مهورُهن العملُ الصالح
لا يجتلي العذراء من خِدرها ... إلاَّ امرؤٌ ميزانُه راجحُ
مَنِ اتَّقى الله فذاك الذي ... سِيقَ إليه المتجر الرابحُ
فاغد فما في الدين أغلوطة ... ورح بما أنت له رائحُ

<<  <  ج: ص:  >  >>