للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن مسعود: حدثني الصادق المصدوق وقد تقدم (١). وليس السر فيه التزهيد في العمل كما يظنه المُخَذلون (٢) أمر الله بالعمل مع القدر كما تقدم في الفائدة في العدل.

وأما سر التزهيد في الثقة بالعمل، والعجب به، والتيه على الخلق ونحو ذلك من المفاسد، وما طواه الله عنا أكثر، ولذلك أطلق التجهيل لنا في كثير من الآيات من غير استثناء، كقوله تعالى: {والله يعلم وأنتم لا تعلمون} [البقرة: ٢١٦].

واستثنى القليل في بعضها، فقال: {وما أُوتيتُم من العِلمِ إلاَّ قليلاً} [الإسراء: ٨٥].

وقد تقدم في المرتبة الثالثة في ذكر الدواعي كلامٌ نفيسٌ جداً في بعض ما أشار الله تعالى إليه من الحِكَم والمصالح في خلق العُصاة، وأسباب المعاصي، وكذلك في مسألة الإرادة، فخُذْهُ من هنالك.

ومن ذلك تقديرُ الأمراض والهموم وسائر الشرور المنقطعة، والأحاديث طافحةٌ بتعليل ذلك وذكر ما فيه من الأعواض والخيرات والاعتبار والتذكير، وقد نبَّه الله سبحانه على ذلك بقوله: {وعَسَى أن تَكرَهوا شيئاً وهو خَيرٌ لكم} [البقرة: ٢١٦].

وفي الآية إشارةٌ إلى قول أهل العقليات: إنه ليس في مخلوقات الله تعالى ما هو شر من كل وجه، وبالنسبة إلى كل أمر، وما من شر من وجه أو وجوه الا وهو خيرٌ من وجهٍ أو وجوه وإن جَهِلَها الخلق، وهو معنى قوله: إن الحكيم لا يريد الشر للشر، وإنما يريده لخيرٍ هو تأويله كما دلَّ ذلك تأويل الخَضِر لما فعله.


(١) ص ٣٩١.
(٢) في (ف): المخذولون.

<<  <  ج: ص:  >  >>