للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذلك سوَّى الله تعالى بين الشرِّ والخير في قوله سبحانه: {ونَبلُوكُم بالشَّرِّ والخَيْرِ فِتنةً وإلينا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: ٣٥] وقوله تعالى: {وبَلَونَاهُم بالحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ لَعلَّهُم يَرجِعُون} [الأعراف: ١٦٨].

واعتقادُ هذا يكفي المسلم، وقد تعرَّض أهل الكلام لتبيين وجه الحكمة في كل ذلك، وتلخيص وجه التحسين على حسب اختلاف فِطَنِهِمْ وعقولهم، وضربوا فيه أمثالاً مختلفةً، ونقض بعضهم على بعض، ولا حاجة إلى ذكر ذلك لما فيه من مخالفة (١) ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والسلف الصالح، وقال الله تعالى: {فلا تَضْربوا لله الأمثال إن الله يَعْلَمُ وأنتُم لا تعلمون} [النحل: ٧٤] وإنما نتكلَّم بجليات المعقول، وصحيحات المنقول دون المواقف والمحارات.

ومما ورد التعليل به في الأمراض ونحوها الابتلاء مثل ما تقدم من قوله تعالى: {ونَبْلُوكُم بالشَّرِّ والخَيرِ فِتنةً} [الأنبياء: ٣٥]، وقوله تعالى: {الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: ١ - ٣].

والأحاديث متواترةٌ وثبوت الأجر بالآلام، وفي تكفير الذنوب بها أيضاً، والقرآن مصرِّحٌ بتعليلها للاعتبار، وقد جاء في ذلك الحديث المشهور في خلق ذُرِّيَّةِ آدم إخراجهم من ظهره، وفيه أن آدم لما رأى فيهم الغني والفقير، والصحيح والأليم، قال: يا ربّ هلاَّ (٢) سوَّيْتَ بين ذُريتي، قال تعالى: " فعلتُ ذلك لتشكر نعمتي " أو كما قال (٣).

ذكره ابن كثير من طُرُقٍ في خلق آدم، أول الجزء الأول من " البداية والنهاية " (٤).


(١) في (أ) و (ف): ذلك إلى مخالفة.
(٢) في (أ): ما.
(٣) تقدم تخريجه ص ٣٢٢.
(٤) ١/ ٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>