وذكر صاحب " شرح جمع الجوامع " للسبكي، عن الجنيد أنه قال: كلمت يوماً رجلاً من القدرية، فلما كان الليل رأيت في النوم كأن قائلاً يقول: ما ينكر هؤلاء القوم أن يكون الله قبل خلقه للخلق، علم أنه لو خلق الخلق، ثم مَكَّنَهم من أمورهم، ثم رد الاختيار إليهم، للَزِمَ كل امرىءٍ منهم بعد أن خلقهم ما عَلِمَ أنهم له مُختارون (١).
وأما قول بعض المتكلمين: إن الجزاء لا يُسمَّى ثواباً، ولا يُكَفِّر ذنباً، فخلافٌ للسمع من غير قاطع عقلي، وليس هذا موضع التطويل ببَسْطِ ذلك.
قلنا: عمومٌ مخصوصٌ بالنصوص وبنحو {وأثقالاً مَعَ أثقالِهم}[العنكبوت: ١٣]، والوجه أن سياق العموم لنفي الظلم، وسياق الخصوص لذلك بعينه، فكان له عاضداً لا ناقضاً، وكان كالحكم في الدنيا بحقن الدماء وتحريم الأموال إلاَّ بحقها.
قالوا:{وأنْ لَيْس لِلإنسانِ إلاَّ ما سَعى}[النجم: ٣٩].
قلنا: عمومٌ مخصوص بالأجر على الألم المتفق عليه عند الخصوم، ووجهه أنه المراد ليس له ما تمنى وتحكم إلاَّ ما استحق إلاَّ ما شاء الله أن يتفضل عليه به لقوله تعالى:{ويَزيدُهُم مِنْ فَضلِهِ}[النساء: ١٧٣].
قالوا: لا يصح استحقاق تعظيم الغير.
قلنا: هو كالصفة للمنافع ولا يستحق منفرداً، سلمنا ولا مانع من استحقاق المنافع دون هذه الصفة، وتسميتها ثواباً، لأنها جزاء، والتعظيم جزاءٌ، وكُلُّ واحد منهما ثواب.