للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: أن العلم بعدم الإيمان لا يمنع القدرة على الإيمان بالإجماع، أما عند المعتزلة، فظاهرٌ، وأمَّا عند أهل السنة، فلأنَّ الله تعالى يَقْدِرُ على فعل الإيمان فيمن عَلِمَ أنه لا يؤمنُ. وقد ذكر السهرستاني في " نهايته " إجماع الفريقين على أن العلم لا يُؤثِّر في المعلوم، وهو يعني بأمر الإيجاد، لا بأمر الدواعي في الترجيح، فثبوته إجماعٌ أيضاً.

الثالث: لو كان العلم يُؤثِّرُ في المعلوم، لما تعلَّق علم الحادث المخلوق بالخالق القديم، وبالإجماع أن علمنا بالله تعالى ربنا (١)، وبالإجماع أنا غيرُ مؤثِّرين فيه، وهذا الوجه ذكره إمام الحرمين الجوينيُّ في مقدمات " برهانه " (٢).

الرابع: أجمع العقلاء على أن الأشياء ثلاثة أقسامٍ: واجبٌ، وممتنعٌ، وممكنٌ، ولو كان بين العلم والقدرة على خلافه تنافٍ، لامتنع قسمُ الممكنات بأسرها، لأن الممكن هو ما يصح وجوده وعدمُهُ على البدل.

وهذه الممكنات إما موجودةٌ، أو معدومةٌ، وما هو موجودٌ منها علم الله وجوده، فيلزم أن لا يكون عدمه ممكناً في ذاته، وما هو معدومٌ منها، علم الله عدمه، فيستحيل وجوده، وحينئذٍ لا يبقى في الخارج ممكنٌ.

الخامس: لو كان بينهما تنافٍ، لما حَسُنَ المدح والذم، والترغيبُ


(١) جاء في (ش) فوق كلمة " ربنا ": " حادث " على أنها خبر " أن "، أي: أن علمنا ... حادث.
(٢) ١/ ١٠٥ ونصه: فإن قيل: ما علم الله تعالى أنه لا يكون وأخبر على وفق علمه بأنه لا يكون، فلا يكون، والتكليف بخلاف المعلوم جائز. قلنا: إنما يسوغ ذلك، لأن خلاف المعلوم مقدور في نفسه، وليس امتناعه للعلم بأنه لا يقع، ولكن إذا كان لا يقع مع إمكانه في نفسه، فالعلم يتعلق به على ما هو عليه، وتعلُّق العلم بالمعلوم لا يُغيره ولا يوجبه، بل يتبعُه في النفي والإثبات، ولو كان العلم يؤثر في المعلوم لما تعلق العلم بالقديم سبحانه وتعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>